Author

التخطيط للتقاعد ضرورة وليس ترفا

|
بعد أن يمضي الإنسان حياة حافلة بالتحديات والتجارب والإنجازات صغيرة كانت أم كبيرة، بدءا بتجاوز مراحل الدراسة والانتهاء من المرحلة الجامعية، ومن ثم اختيار العمل والارتباط به لبضعة عقود، ينبغي أن ينظر للتقاعد على أنه ليس نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من مراحل العمر التي ينبغي أن يعيشها الإنسان بسعادة، نعم تلك السعادة التي تنعكس على التوازن النفسي والاجتماعي هي الهدف الرئيس والأولوية، وليس البحث عن مكاسب مالية جديدة. فمع بداية مرحلة التقاعد لا بد من استيعاب بعض الحقائق التي لا ينبغي تجاهلها، بل التخطيط لتجاوزها والتعايش معها ومن أبرزها:
- توافر وقت فراغ كبير بعد التقاعد، إذا لم يستفد منه، فإنه قد ينعكس سلبا على المتقاعد وأسرته.
- من المتوقع أن ينكمش عدد الأصدقاء، خاصة تلك الصداقات المرتبطة بالعمل من عشرات إلى أربعة أو خمسة أصدقاء.
- زيادة الإنفاق على عكس ما هو متوقع، نتيجة التضخم وانكماش القيمة الحقيقية لمعاش التقاعد مع مرور الزمن، علاوة على زيادة الإنفاق للسفر والتسوق بسبب توافر وقت الفراغ.
- اختلاف مجالات الترفيه مع تقدم العمر، ما يحد من ممارسة أنواع من الرياضة والتحركات والسفر والرحلات البرية البعيدة والشاقة، خاصة في الأعمار المتقدمة.
- فقدان الأهمية المهنية والاجتماعية وكذا المزايا المرتبطة بالوظيفة، خاصة بالنسبة لذوي الوظائف العليا.
إن تحقيق حياة تقاعد سعيدة وآمنة وبعيدة عن المخاطر الاجتماعية والمالية يتطلب وضع خطة للتقاعد تراعي الأمور المذكورة آنفا، ففي مرحلة ما قبل التقاعد ينبغي الاستثمار لما بعد التقاعد في استثمار معين يدر عائدا معقولا يدعم المعاش التقاعدي المتآكل ويغطي بعض الاحتياجات الطارئة مع الابتعاد عن الاستثمارات ذات المخاطر العالية، وقبل ذلك الحرص كل الحرص على امتلاك مسكن خاص. وكذلك التخلص من الديون لكي لا يعيش المتقاعد تحت ضغوط مالية مقلقة. بعبارة أخرى، تنظيم الشؤون المالية قبيل بدء مرحلة التقاعد. أما في مرحلة ما بعد التقاعد، فإن توافر الوقت يعني ضرورة ممارسة أنشطة وهوايات أهملها الإنسان نتيجة ضغوط العمل وعدم توافر الوقت، وفي بعض الأحيان تكون هذه الهوايات التي يجد المتقاعد نفسها بها مصدر دخل جديد. والحرص على الاستثمار الآمن الذي يدر أرباحا على المدى الطويل، وكذلك الاستفادة من الخبرات والقدرات والمهارات المهنية التي اكتسبها الإنسان طوال حياته العملية في مجالات الاستشارات المثمرة أو رد الجميل للمجتمع من خلال الأعمال التطوعية التي تعود على المجتمع بالخير.
ولا تقل عن ذلك أهمية المحافظة على شبكة من العلاقات والصداقات الجيدة مع أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء، إذ تشير الدراسات إلى أن العلاقات الاجتماعية الجيدة تسهم إيجابا في الصحة النفسية والجسدية، ومن ثم العيش عمرا مديدا بإذن الله. وهناك من ينصح بتمرين العقل من خلال تعلم ما هو جديد سواء هوايات أو حرف أو لغات جديدة أو ممارسة بعض الأنشطة الفكرية مثل لعبة الشطرنج أو ممارسة الفن بجميع أنواعه. ومن الأمور الجميلة أن يتعلم المتقاعد إعداد قائمة بالمهام التي ينبغي عملها، لكي يشعر بالإنجاز والرضا الذاتي عند إنجازها. وأخيرا السفر من الأمور المهمة للمتقاعد، فكما قال الإمام الشافعي، "سافر ففي الأسفار خمس فوائد: تفريج هم واكتساب معيشة"، وأستبدلها بـ "اكتساب معارف".
إنشرها