Author

نصب جورجيا وسكان العالم

|

يوجد في محافظة ألبرت بولاية جورجيا الأمريكية ما يسمى أحجار جورجيا الإرشادية المثيرة للعجب والحيرة والغموض في آن واحد. وهي تذكر بقبو سفالبارد العالمي للبذور، أو قبو يوم القيامة المدفون تحت الجليد في النرويج، ويحتوي على مجموعة كبيرة من بذور النباتات لحمايتها عند اندلاع كارثة عالمية تؤدي إلى هلاك البذور المحفوظة في البنوك الزراعية الإقليمية. ويتكون النصب الضخم في جورجيا من أربعة أحجار ضخمة من الجرانيت على ارتفاع ستة أمتار ويتوسطها لوح خامس ترتبط به من خلال حجر التتويج، وهذه الألواح الحجرية ليست من العصور القديمة الموغلة في القدم كما يتوقع الإنسان تناسبا عن مقدار الغموض حول إنشاء هذا النصب والغرض منه ودلالات الوصايا العشر المنقوشة على واجهاتها بعدد من اللغات هي: الإنجليزية والإسبانية والسواحيلية والهندية والصينية والروسية، إضافة إلى أربع لغات منقرضة هي: الهيروغليفية واليونانية والسنسكريتية والبابلية. وقصة إنشاء هذا النصب العجيب تبدأ مع شخص يدعى روبرت كريستيان ويمثل مجموعة من الأمريكيين – كما يدعي - الذين يبحثون عن عصر الحكمة والعقل ويحتوي على الوصايا العشر التالية:
- أبقوا عدد السكان أقل من 500 مليون نسمة في توازن دائم مع الطبيعة.
- وجهوا التناسل البشري مع تحسين اللياقة البدنية والتنوع.
- وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة معاصرة.
- تحكموا بالعاطفة وبالعقيدة وبالتقاليد وبجميع الأشياء بمنطق معتدل.
- احموا الناس والدول بواسطة قوانين عادلة ومحاكم منصفة.
- اتركوا الدول تحكم داخليا مع تصفية النزاعات الخارجية في محكمة عالمية.
- تجنبوا القوانين التافهة والموظفين عديمي الفائدة.
- وازنوا ما بين الحقوق الشخصية والواجبات الاجتماعية.
- شجعوا الحقيقة والجمال والحب، لإيجاد التوافق المطلق.
- لا تكونوا سرطانا فوق الأرض، أفسحوا مجالا للطبيعة.
ولعل هذا الغموض الذي يحوم حول هذه الأحجار وما تحتويه من وصايا يثير اهتمام الناس وعديدا من التساؤلات والتفسيرات! فهناك من يعتقد بأنها تنبع من الاعتقاد بأن أنشطة الإنسان على كوكبنا ستؤدي إلى الدمار والكوارث التي ينبغي تجنبها باتباع التوصيات المذكورة آنفا، فيما يذهب أنصار نظرية المؤامرة إلى أن لها علاقة بعبادة الشيطان، أو أنها لعبدة الشمس. في حين يرى آخرون أنها تهدف إلى بناء حضارة أرقى وأفضل. ومن جانب آخر، آخرون يتساءلون حول سبب إدراج لغتين ليستا من أكثر اللغات انتشارا هما العبرية والسواحيلية، في حين افتقدت القائمة لغات أخرى دارجة مثل الفرنسية والألمانية والإيطالية واليابانية! ولأن هذه الأعمدة المستطيلة صممت بدقة لتتبع الدورات الفلكية والشمسية، فسر بعضهم أنها دليل على نهاية الأيام، أو دعوة إلى الإبادة الجماعية على نطاق واسع.
وما يهمنا أن تحديد عدد السكان في الوصية الأولى لا يتناسب مع تقديرات القدرة الاستيعابية للأرض أو الحجم الأمثل لسكان العالم من الديمغرافيين على مر العقود الماضية التي تقدر بأضعاف العدد المقترح، بل إن سكان أوروبا وحدها في الوقت الحاضر، وكذلك سكان أمريكا الجنوبية أو إفريقيا يفوق نصف مليار نسمة، والصين وحدها يتجاوز سكانها مليار نسمة. بعبارة أبسط إن الحفاظ على 500 مليون نسمة على وجه الأرض يعني أن يموت أكثر من سبعة مليارات شخص يعيشون اليوم على سطح هذا الكوكب.
وأخيرا يبدو أن الجدل والغموض حول هذا النصب لن ينتهي.

إنشرها