Author

مشاهدة ما يحدث خلف الكواليس

|
ليس غريبا أن تسمع عن شركة تتفوق على نفسها وتراها تنطلق في الآفاق نموا وتنويعا وإبداعا وترى الجميع يصفق لها، ثم فجأة تسمع خبرا كالصاعقة: قضية فساد كبرى، أو فروع تغرق في الخسارة، أو عدم التزام باللوائح والأنظمة. ومثل ذلك الموظف الذي ينضم إلى شركة ثم يعبر عن رأيه بعد شهر بأنه توقع أن الوضع أفضل بكثير مما وجده عليه، لمعبر عن مشاعر الانخداع والخيبة. يحدث هذا الأمر بشكل شائع ودرجات مختلفة، وهو تحقيق لمفهوم الشكل والجوهر، أو القول والفعل، فليس كل ما نتحدث به نفعله، وليس كل قشرة تعكس ما بداخلها، وليس كل مدع يثبت ما يدعيه.
تفادي حالة النشاز هذه أمر مهم، وسيطرة مطلوبة في واقع مضطرب ومتشكل لا نسيطر إلا على قدر بسيط منه. وقد نسمع ونقرأ عشرات المواقف الفكرية والاجتماعية والشخصية التي تندد بنتائج هذا التباين، وتصفه بالخداع والتآمر والغش والكذب، أو نتيجة للهامشية والضحالة والجهل. من المهم أن نملك الوعي الكافي الذي يجعلنا في مرحلة جيدة من الاتزان، والاتزان هنا لا يعني التركيز على الجوهر على حساب المظهر، أو تأخير الاعتراف بالإنجاز على حساب أدائه، أو تقديم نتيجة الرحلة على مراحل الرحلة، وإنما عملية مقاربة لما يتطلبه الواقع ويتفق مع المعيار الأخلاقي والأدائي الذي نطمح إليه ونقدر عليه.
ومع ذلك، ورغم سعينا المستمر لمحاربة الخروج عن المسار الطبيعي، أو حدوث المفاجأة التي تعكس خللا داخليا كبيرا، إلا أن ما يحدث خلف الكواليس لا يجب أن يظهر أمامها بالضرورة. نعم في أعمالنا وتصرفاتنا يجب ألا ننوي الخداع، ولا نصمم وننفذ مسرحية وعرضا غير حقيقي، ونعم الشفافية مطلب والنزاهة هي الركن الذي نستند إليه في بناء الثقة وتحقيق الرضا، لكن من الطبيعي جدا أن نلبس أفضل ما لدينا عندما نخرج لأمر مهم، ونلبس ما هو مريح عندما نكون في بيوتنا. وهذا فعليا ما يفسر عديدا من الفوارق بين المظهر والجوهر في أماكن العمل. من الطبيعي أن نسمع عن الشركة وهي في أبهى صورها، ونراها في المؤتمرات وهي آية في الكمال، وعندما ندخل سراديبها وممراتها نجد الواقع مختلفا جدا. يتفاجأ من يقارن بين الصورة البهية التي يسمع بها والواقع المرير الذي يجده بأن القوة تتحول إلى ضعف، والتنظيم ينقلب إلى فوضى، والحوكمة في حقيقتها اضطراب، والنمو الذي حصل كان مجرد ضربة حظ، وأن الشركة وفريقها ورئيسها يستمرون في وجودهم بحماية اللطف الإلهي، وأنهم "ماشيين بالبركة"، وأن تميزهم قشور، وأقوالهم مجرد كلام، وأن شهاداتهم مجرد إشادات على الورق... إلخ. قد تخرج هذه التعابير من باب المبالغة في التصوير، والانبهار بما لا نفهم، والتشفي بما نجهل. من الطبيعي أن تكون هناك حالة تباين بين المظهر والجوهر، ومن الطبيعي أن يسعى القادة إلى إيجاد التوازن بينهم ولا يحققونه في كل مرة.
سيكون من الرائع أن تجد أن ما يحدث خلف الكواليس يطابق ما يحدث أمامها، وأن مكان العمل في حالة تطابق تام بين شكله ومادته، ومظهره وجوهره، وأن كل ما يقال يفعل، لكن هذا من المستحيلات، بل هو عكس الطبيعي، من الإيجابية أن يرتفع سقف الطموحات، وتختلط الأحلام بالرغبات، وتصنع عشرات الأفكار وينفذ بعضها فقط، وتدشن مبادرة وتفشل، وتعلن الطموح الذي لا يتحقق، وهذا كله لا يعيب. هناك شرط بسيط لتفادي المعالجات غير المناسبة لهذه التناقضات، وهو التوازن الذكي المرتبط بوضع المنشأة، وهذه مسؤولية قيادية بامتياز. ابحث عن التوازن، ولا تبالغ في الظهور، وتقبل الخطأ والفشل، وتأكد بالنية والمجهود أن ما يحدث خلف الكواليس يكفي لظهور ما هو أفضل. والأهم تأكد أن الاستثمار في المظهر يبنى بأسس نزيهة ويخلو من الاستغلال والخداع، ويعكس فهما جيدا للعمل والإنتاجية مع أهمية صنع التصورات الإيجابية التي تيسر تحقيق النتائج، وهذه هي الخلاصة.
إنشرها