بخور السوق

في حياتنا العائلية هناك مساحة خاصة لا يجب أن يطلع عليها أحد سواء كان قريبا أو غريبا، تلك المساحة هي ما تعرف بالخصوصية التي تم تعريفها حسب موسوعة ويكيبديا بأنها، "قدرة الفرد أو الأشخاص على عزل أنفسهم أو معلومات عنهم وبذلك فإنهم يعبرون عن أنفسهم بطريقة انتقائية ومختارة"، ما يعني أن ما يدور بين جدران منزل العائلة هو من حقوقهم الخاصة غير المسموح لها بالنشر خارجها إلا بموافقتهم. رسالة وصلتني تحمل معاناة من نوع خاص يقول صاحب الرسالة، "ارتبطت بزوجتي قبل عشرة أعوام. أعشقها لدرجة الجنون وأفعل كل ما بوسعي من أجلها وهي كذلك. رزقنا الله بثلاثة أطفال وأمورنا مثالية جدا ونعيش كل أسباب السعادة، ولكن هناك أمرا ينغص علي هذه السعادة، فزوجتي طيبة القلب جدا وتعتقد أن الآخرين بمثل نقائها الداخلي، ولذلك فهي لا تتردد في مشاركة شقيقاتها وشقيقاتي وزوجات أشقائها وزوجات أشقائي وجاراتها وزميلات العمل كل تفاصيل حياتنا السعيدة، ففي كل مناسبة جميلة خاصة أحتفل فيها معها في اليوم الذي يليها يبارك لي الأهل والزملاء والجيران طبعا مع بعض التندر و"الطقطقة". في إحدى المرات حجزنا للمالديف لأحظى معها بوقتنا الخاص وأوصيتها ألا يعلم أحد بالأمر ووعدتني وقبل السفر بفترة وجدت شقيقي يقترح علي أن يسافر معنا هو وزوجته وأولاده، ولم يكن أمامي سوى القبول، ومع الأسف لم أستمتع بالرحلة التي كانت أشبه برحلة مدرسية. مشكلاتنا الصغيرة وتفاصيلنا اليومية وخططنا المالية ونزهاتنا الأسبوعية ومتاعب الأطفال كل ذلك عبارة عن نشرة إخبارية متواصلة لكل من يحيط بها، لم يعد لعائلتي الصغيرة أي خصوصية فكل ما نقوم به معروض أمام الناس، رغم عشقي الكبير لها لكني فعلا لم أعد أتحمل.. فماذا أفعل؟!
مثل تلك الزوجة يطلق عليها مجازا "بخور السوق" وهو تعبير يدل على أن كل الأسرار والخصوصية في مفهومها متاحة للعلن مثل بخور السوق الذي يشمه جميع العابرين. أمثالها يعانون مشكلة نفسية تحتاج إلى تدخل سلوكي، فهم حين يشاركون خصوصياتهم يشعرون بالاهتمام الذي يحظون به من الآخرين، ولذلك يقدمون مزيدا من تفاصيل خصوصياتهم ليحصلوا على مزيد من الاهتمام، لا أحد يرغب أن تكون خصوصيته مستباحة أمام كل من "هب ودب"، ولا أن يتعدى أحد على مساحته الخاصة، ومن يفعل عكس ذلك فلا شك يعاني اضطرابا نفسيا.

وخزة:
يقول أحد دهاة العرب، ما غلبتني إلا جارية كانت تحمل طبقا مغطى سألتها ماذا يوجد في الطبق فقالت ولم غطيناه؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي