Author

الاحترازات الصحية والمسؤولية المجتمعية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
بعد مرحلة شابها شيء من الشعور بالارتياح وانحسار لأزمة كوفيد، التي بدأت منذ بداية عام 2020، وما زال أثرها باقيا في العالم رغم مرحلة عشنا فيها حدودا دنيا من الإصابات بحمد الله، لكن المرحلة الحالية تعد حساسة واختبارا حقيقيا للمجتمع وقدرته على التكيف مع المتغيرات وسرعة تفاعله مع التوجهات الحكومية، وهذا بدوره سيكون له أثر كبير في قدرة المجتمع على أن يكون بيئة إيجابية على المستوى العالمي في القدرة على التكيف ومواجهة الكوارث سواء البيئية أو الأوبئة أو غيرها من الأمور التي يمكن أن تحصل لأي مجتمع.
الذي نشهده اليوم من ارتفاع الحالات فيما يتعلق بإصابات المتحور أوميكرون يعد أمرا واردا باعتبار أن العالم اليوم أصبح أشبه بالقرية الصغيرة رغم اتخاذ إجراءات كثيرة للوقاية، ورغم معرفة الأفراد في المجتمعات المختلفة طرق الاحترازات التي أصبح العالم يتشابه كثيرا فيها، إلا أن هناك تفاوتا في جدية الحكومات ومستوى الوعي والالتزام من الأفراد الذي بحمد الله نجد أن المملكة كانت من أكثر الدول كفاءة في إدارة الأزمة والتخفيف من أثرها بالشواهد والأرقام، بل حقق الاقتصاد نتائج تدل على القدرة على إدارة الأزمات بحمد الله.
إلا أن البعض قد يجد في طول هذه المدة نوعا من الملل الذي يدفعه إلى عدم الالتزام بسبب طول مدة الإجراءات وهذا قد يكون فيه خطورة على المجتمع عموما، والأفراد الأقل التزاما خصوصا، إذ ما زال كثير من الغموض يشوب هذا الوباء فيما يتعلق بالشرائح الأكثر تأثرا به، التي يمكن أن يتسبب لهم في الوفاة أو قضاء مدة طويلة في المستشفيات وصعوبة التعافي الكامل بعد المعاناة، إذ إن العلاج من هذا الوباء لم يصل إلى مراحله النهائية والتحدي كبير فيما يتعلق بالمعالجة.
واحدة من الإشكالات والتحديات التي قد تنشأ بسبب التراخي في تطبيق الاحترازات هو الاضطرار إلى إعادة اتخاذ الإجراءات الاحترازية الصارمة بما فيها إغلاق الأنشطة التجارية وتنفيذ الأعمال عن بعد، وتوقف مجموعة من الأنشطة الاقتصادية جزئيا أو كليا وأعباء هذا على الاقتصاد كبيرة ويصعب تحملها، كما أن بعض المشاريع التجارية للأفراد والشركات قد تغلق تماما بسبب ذلك، وهذا له أثره في الناتج المحلي وإفلاس بعض الشركات وزيادة البطالة في المجتمع، إضافة إلى بقاء الأفراد والأسر في منازلهم فترة طويلة له انعكاسات سلبية على ظروفهم المعيشية وحياتهم اليومية. كما أن هذه الأعباء ستتحول إلى القطاع الصحي، فإضافة إلى تكلفة العناية والفحص والمعالجة، فإن القطاع الصحي قد يواجه صعوبة في تقديم خدماته الصحية للمصابين بكوفيد المتحور، وبطبيعة هذا القطاع الذي قد يلجأ إلى خيارات صعبة في مرحلة انتشار الوباء باتخاذ قرار يأخذ في الحسبان الأولوية في تقديم الخدمة الصحية، وبعدها نجد أن كثيرين قد يصعب تقديم الخدمات الصحية لهم لانشغال هذا القطاع لمواجهة الوباء، كما أن العاملين في هذا القطاع قد يواجهون ضغوطا كبيرة ويتعرضون بشكل مباشر لهذا الوباء، ما يفقدنا عددا منهم سواء بشكل مؤقت أو دائم بسبب تأثير الوباء في هذا القطاع.
ولذلك من المهم استشعار كل شخص مسؤوليته، إذ إن انعكاسات ذلك ليس على الفرد نفسه فقط، وإن كان كل فرد في هذا الوطن يحظى باهتمام، بل إن الأثر يتعدى إلى الجميع بما فيهم من هم أقرب لقلوبنا وهم الوالدان اللذان قد يكونان الأكثر تحرزا ويكون مصدر الخطر عليهم أبناؤهم، خصوصا عندما تبذل الجهات الرسمية والقطاع الصحي مجهودا للتوعية بخطورة الوباء والطرق المثالية للحد من انتشاره. لا شك أن كثيرين تأثروا بهذه الأزمة خلال عام كان واحدا من أصعب ما مر على العالم لأكثر من قرن، وتجربة الفترة الماضية لا شك أن لا أحد يتمنى أن تتكرر هذا العام.
الخلاصة: إن البدء في إجراءات الاحترازات للحد من انتشار المتحور الجديد مسؤولية مجتمعية، خصوصا أن التجربة الماضية أكسبت الجميع أمورا مهمة، منها: الوعي بطرق الحد من انتشار الأوبئة، والأثر الكبير صحيا واقتصاديا واجتماعيا لانتشار الوباء في المجتمع، كما أن الفترة الماضية التي تم فيها التخفيف من الإجراءات الاحترازية استشعر الجميع جمال الحياة بعدها، فلا نتمنى أن تعود بالجميع الأيام التي اضطروا إلى الجلوس فترة طويلة في منازلهم.
إنشرها