تفاعلات إصلاح أسواق العمل
صحة الاقتصاد تتولد من خلال تفاعل ملاك المصالح في النظام الاقتصادي وعلى أساس تبادلي دون تحيز لأي طرف، ورغم ذلك لن نستطيع تجنب ضجيج التفاعلات الاقتصادية تماما بين أصحاب المصلحة، لكن بوسعنا الحد من آثارها السلبية من خلال إطار حوكمة اقتصادية وتنظيمية ومراجعة للأنظمة واللوائح بسرعة، لتعكس كفاءة الاستجابة من المنظم.
أعتقد أن جهاتنا الحكومية اليوم تملك قدرات علمية وفنية تمكنها من التعاطي مع تفاعلات سوقي العمل والاقتصاد، ولا سيما أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يتابع عن كثب إصلاح الاقتصاد وتفاعلاته المختلفة بقيادة الأمير محمد بن سلمان.
لقد فرضت أجندتنا الاقتصادية الملحة نمطا جديدا للتعامل مع أسواقنا الداخلية في سبيل إصلاحها، ولا سيما في مساري تمكين المواطنين والمواطنات للفوز بوظائف ومسار تحرير الأسعار وزيادة المنافسة دون إخلال بالامتثال التنظيمي للمنشآت، أي: مزيد من الازدهار الاقتصادي والأرباح للمستثمرين في مقابل مزيد من الوظائف للمواطنين إلى أقصى حد تسمح به قدرات قطاعنا الخاص.
وزارة الموارد البشرية استجابت لمتطلبات أصحاب المصلحة من القطاع الخاص من خلال تعديل جدول مخالفات الموارد البشرية عن طريق مواءمتها بين حجم الوحدة الاقتصادية وجسامة المخالفات ومدى خطرها على سوق العمل، بطريقة مغايرة عن الأسلوب الشمولي السابق، فالنموذج السابق لم يكن يفرق بين حجم الوحدات الاقتصادية، أي: إن الوزارة استجابت وحمت المنشآت من التأثيرات المفرطة للمخالفات بسبب تباين حجم الأعمال، ولا سيما الوحدات الاقتصادية الأصغر، وفي الوقت نفسه استمرت في حفظ حقوق العاملين وتوفير بيئة صحية آمنة لجميع الأطراف دون تراخ، ويمكننا وصف ذلك بأنها موازنة بين مصالح قوتي السوق والعمل.
من الأمور المثيرة للإعجاب تحييد مخاطر مخالفات العمل عن الوحدات الاقتصادية الناشئة بما في ذلك رواد الأعمال الجدد، من خلال الاكتفاء بالإرشاد في العام الأول، ولهذا بات التفكير في الأمور الصغيرة ومعالجتها من مؤشر الثقة في سلامة السياسات الإصلاحية لسوق العمل، فالجميع يجب أن يشعر بالراحة وعدم القلق من الدخول والتفاعل مع الأسواق.
أخيرا: بما أنه لا يمكننا تجنب ضجيج تفاعل الأسواق علينا عدم المزج بين التأثيرات الاقتصادية العامة وتأثيرات المنظم الحكومي وفي الحين ذاته سيكون من المهم توسيع تجربة وزارة الموارد البشرية من الجهات العامة الأخرى، بمعنى آخر: منح أصحاب المصلحة حرية أوسع في سبيل تحقيق مصالحهم دون الإخلال بصحة أسواقنا أو حقوق المستهلكين والعاملين والمستثمرين، لأن مهمتنا الأكثر إلحاحا ليست معالجة التحديات بشفافية وحسب، وإنما مراقبة عناصر ديناميكية أسواقنا وإزالة أي صعوبات بسرعة ودون تردد كما فعلت وزارة الموارد البشرية، سواء على مستوى الأداء أو سرعة الاستجابة أو ترقية التنظيمات، إضافة إلى ضرورة التفاعل مع أصحاب المصلحة بعمق وموضوعية وتوازن، لأن هامش أي تفاعل ديناميكي متزن ومع إرساء الثقة بين الجميع عوامل جوهرية في ترقية أسواقنا واقتصادنا لمستويات جديدة.