Author

الخصخصة في الدول النامية .. دروس مستفادة «1 من 2»

|
تعرف الخصخصة Privatization بأنها عملية نقل الملكية أو الممتلكات أو الأعمال التجارية من ملكية الحكومة إلى القطاع الخاص. وتتم الخصخصة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، من بينها: رفع مستوى الكفاءة الاقتصادية لإدارة الأنشطة. وتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، فيما يتعلق بتوفير الدعم وتحمل الخسائر. وتوسيع قاعدة الملكية والمشاركة للأفراد، والحصول على زيادة في الإنتاج والتصدير وتحسين الجودة. وتوفير مداخيل للدولة من بيع الوحدات العامة، لمواجهة متطلباتها العامة ومنها عجز الموازنة العامة. والتغلب على ضعف كفاءة الأنظمة الرقابية والمحاسبة في الوحدات العامة.
وفي دراسة نشرها البنك الدولي بعنوان "الخصخصة في الدول النامية: دروس مستفادة من التجربة الحديثة"، لكل من شاول استرينو وأديلين بيليتير، نشرت في 2018، تناولت الدراسة الآثار المترتبة من الخصخصة على مستوى الدول النامية Developing Countries، حيث ثبت علميا أن الملكية الخاصة وحدها ليست دليلا لتحقيق المكاسب الاقتصادية في تلك الدول، بل لا بد من توافر أساسات مسبقة: تشمل البنية التنظيمية الأساسية "حوكمة شاملة للقطاعات" للاستفادة من عمليات الخصخصة وتحقيق تأثيرها الإيجابي. وهذا يشتمل على اشتراطات غالبا ما تكون صعبة في البلدان النامية، تتضمن: إصلاحات متسلسلة ومحكمة التصميم والبناء، وتنفيذ سياسات تكميلية، وتوفير قدرة تنظيمية وتشريعية، والاهتمام بقضايا الفقر والآثار الاجتماعية المترتبة على عمليات التحول، وتواصل مجتمعي قوي لتعزيز الدور الثقافي.
تحدثت الدراسة عن أنماط الخصخصة وآثارها في كل من أوروبا بين 1977 و2002 ودول آسيا مثل الهند والصين خلال الفترة من 1988 حتى 2008، كما تناولت اتجاهات الخصخصة بعد 2008 في دول آسيا وجنوب القارة الإفريقية ونتائجها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية. وتظهر الدراسات علـى الاقتصادات النامية أن الانتقال من الملكية الحكومية "العامة" إلى الملكية الخاصة وحده لا يؤدي تلقائيا إلى تحقيق مكاسب اقتصادية. ولكن يمكن الاعتماد على عدد من العوامل التي تؤثر في نجاح الخصخصة، ومنها: وجود تأثير إيجابي أو سلبي في الشركات التي تمت خصخصتها ويمكن قياسه. وحول ما إذا كانت الخصخصة كلية أو جزئية، تشير الدلائل إلى أن الأول هو أكثر فائدة. ومن الآثار المترتبة على التخصيص في الجانب التنظيمي الذي يعتمد بدوره على البيئة المؤسسية والسياسية، ووجود تأثير في الكفاءة الإدارية للمديرين والعاملين، وزيادة المنافسة الفاعلة، وجد أن هذا أمر بالغ الأهمية في إحداث تحسينات في أداء الشركة، لأنه يرتبط بتكاليف أقل وأسعار أقل وكفاءة تشغيل أعلى. كما تناولت الدراسة تأثيرات الخصخصة على مجالات مختلفة، شملت: تأثير عمليات الخصخصة في توزيع الثروة والدخل. فضمان تقييم أصول الدولة بطريقة عادلة وجاذبة وضمان انتقال هذه الملكية بحسب الكفاءة وليست انتقالا لتركيز الملكية. وبحسب الدراسة، فإن عمليات الخصخصة التي تمت في دول العالم سابقا أدت إلى تركز الملكية في يد مجموعة من أصحاب المصالح بطرق غير شرعية لافتقاد هذه العملية للشفافية والنزاهة. أيضا أثرت الخصخصة في توزيع الدخل بسبب تأثيرها في التوظيف، حيث إن الشركات العامة تستوعب قدرا أكبر من العاملين، إلا أنه بعد الخصخصة قد يتم الاستغناء عن كثير من الطواقم العاملة لأسباب مالية. وبحسب دراسة أجراها Chong and Lopez-de-Silanes لاستقصاء 308 شركات مخصخصة في 84 دولة، خلال الفترة من 1982 إلى 2000، وجد أن التوظيف انخفض 78 في المائة بعد الخصخصة، ما أدى إلى تدهور توزيع الدخل على الأرجح. ويمكن أن يكون للخصخصة تأثيرات مختلفة على فئات الدخل من خلال الأسعار والوصول إلى الخدمات. من الآثار المالية للخصخصة أنها تحسن فرص الحصول على الخدمات، حيث يتم تمويل ذلك من أموال الضرائب. أما الآثار السياسية، فتؤكد الدراسات أن الخصخصة لها آثار إيجابية في الأداء الاقتصادي والمالي، لكنها قد تكون عرضة للاستغلال السياسي من قبل الأحزاب والقطاعات الحاكمة.
لذا، يمكن القول إن نجاح عمليات الخصخصة يحتاج إلى إطار حوكمة شامل لضمان الشفافية، والعدالة وقياس الآثار المترتبة على عمليات التحول. وفي العدد القادم سأذكر أهم ما ذكره الكاتبان في إطار تحقيق المكاسب من الخصخصة.
إنشرها