الجارة الأخت

من أروع الرسائل التي وصلت إلي أخيرا وتحمل بين سطورها قصة إنسانية في منتهى الجمال. تقول صاحبتها: حين سكنت في منزلي قبل 30 عاما كنت تلك الشابة الصغيرة التي لا تعرف أحدا في الحي، ولأني حديثة عهد بالزواج، فقد كنت أشعر بالخجل من المبادرة بإنشاء علاقات مع المجتمع من حولي، خصوصا أني كنت متغربة عن أهلي.
وفي يوم ما بعد مرور شهر من سكني فوجئت بطرق على الباب، وحين فتحته رأيت جارتي أم خالد، لأول مرة في حياتي، وكانت تحمل سلة فيها ترامس قهوة وشاي. عرفتني بنفسها ورحبت بها وأدخلتها منزلي، ولم أكن أعلم حينها أني أكتب أول كلمات في قصة إنسانية تستحق أن يقرأها الجميع. مرت بنا الأيام والسنون وكانت علاقاتنا تزداد قوة ومتانة. كبر أبناؤنا مع بعضهم بعضا، فكانوا ينادون كل واحدة منا بخالة أم فلان، ولم أكن أشعر بالحرج حين كان أبنائي أو أبناؤها يقبلون رأسينا.
لم تكن تمر المناسبات بيننا إلا وهي أول الحضور، وكذلك أنا في مناسباتها. وقفت معي في أشد مواقف حياتي حلكة وبؤسا، وساندتها في تلك اللحظات التي أوشكت فيها على الاستسلام للألم. هي باختصار، تلك الأخت التي لم تلدها أمي. قبل أربعة أعوام شعرت بآلام في كليتي اليمنى، وحين أجريت بعض التحاليل اتضح أني أعاني حصى في الكلى والتهابات. أخذت علاجا سكن الألم فترة، لكن بعد مرور أشهر بدأ بالهجوم علي ثم بدأت أعراض أخرى بالظهور على جسدي، ليكتشف الأطباء أنني أعاني فشلا كلويا حادا، ويجب أن أخضع لغسيل كلوي. حمدت الله على قضائه واستمررت في الغسيل عاما كاملا لأفاجأ في يوم ما بجارتي تطلب مني الحضور الفوري إلى المستشفى، وهناك كانت الصدمة، حيث أخبرني الطبيب المعالج أن جارتي أجرت عددا من الفحوص للتبرع لي بالكلية، وظهرت النتائج مطابقة لنتائجي.
كل هذه الخطوات قامت بها بالاتفاق مع طبيبي المعالج لتضعني أمام الأمر الواقع خوفا من رفضي مبادرتها. قاومت رغبتها لي في التبرع خوفا على حياتها ولحاجة أطفالها إليها، لكنها أصرت، ودخلنا غرفة العمليات وخرجنا بفضل الله تعالى وأنا أحمل قطعة من جسدها.
ما دعاني إلى الكتابة إليك هو ليعلم الجميع أن مثل تلك العلاقات الإنسانية الجميلة ما زالت موجودة في زماننا هذا.. والدنيا ما زال فيها خير..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي