Author

3 أركان .. قوة وتحولات

|

التصريحات المشتركة لوزير المالية ورئيس هيئة السوق المالية ومحافظ البنك المركزي، زخرت بمعلومات ثرية وطرقت قضايا جوهرية تهم القطاع الاقتصادي والسياسة المالية. خلال ندوة الاستقرار المالي، التي عقدت نسختها السادسة في الرياض أخيرا، تحدث وزير المالية بشفافية عالية عن قضايا اقتصادية مهمة، لعل أبرزها كان في شأن خطط التخصيص، واستمرار المملكة بخطوات ثابتة وحثيثة في هذا المشروع الاستراتيجي، بعد أن نجحت في تخصيص شركات مطاحن الحبوب الأربعة، التي بلغ إجمالي متحصلاتها 5.77 مليار ريال "1.5 مليار دولار"، وحقيقة أن التخصيص يحظى بمتابعة القطاع الخاص وباهتمامه بشكل ملحوظ لما يمثله من فرص لا محدودة، ونطاقها واسع ومتنوع.
وأشار وزير المالية إلى أن لدى السعودية أكثر من 160 مشروعا متنوعا ضمن مجموعة من القطاعات، من بينها التعليم واللوجستيات والموانئ، وستكون الأولوية للمشاريع الأكثر أثرا، حتى القطاع الصحي سيكون فيه مجالات للتخصيص، لكن ليس في جانب الخدمة، كما أكد الوزير، بل في جانب الدعم مثل قطاع الأشعة وغيرها. ويأتي التخصيص في التجربة السعودية كاستراتيجية للتحول الاقتصادي وإشراك القطاع الخاص في التنمية، فيما ينصب تركيزه عند عدد من دول العالم على دعم الإيرادات العامة فقط. تتمتع المالية العامة في المملكة بمتانة غير مسبوقة، وجاءت أزمة كورونا لتثبت هذه الحقيقة، كما أن سياساتها تعمل على تحقيق التوازن بين النمو والاستدامة.
وذكر وزير المالية في هذا الخصوص أن ارتفاع معدلات النمو في القطاع غير النفطي الحقيقي بلغ 8.4 في المائة في الربع الثاني من العام الجاري بقيادة من القطاع الخاص، الذي سجل نموا بمعدل 11.1 في المائة، وأيضا نمو الأنشطة غير النفطية بمعدل 6.2 في المائة، وهذا الأداء القوي للاقتصاد انعكس على النتائج الإيجابية لأداء المالية العامة. وهذا الاستقرار الواضح والثابت للمالية العامة وتنوع مواردها مكنها من إصدارات أدوات الدين، التي تتمتع بثقة دولية حتى في أسوأ أوقات الجائحة، وانعكس ذلك في الوقت نفسه على التصنيف الائتماني الإيجابي.
وإذا كان النجاح الاقتصادي يعتمد في استدامته على قوة وصلابة النظام المالي فقد لفت محافظ البنك المركزي "ساما" في حديثه إلى أن تغطية رأس المال في البنوك السعودية تصل إلى 20 في المائة، والسيولة 180 في المائة، والقروض المتعثرة في حدود 2 في المائة، ولها تغطية أكثر من 120 في المائة من الاحتياطيات، وهذا المركز المالي ذو القاعدة الراسخة يعد فرصة لدعم الاقتصاد في أصعب الأوقات مثلما حدث في أثناء أزمة كورونا، حيث قام المركزي بتوجهات من المقام السامي بعمل عدد من الإجراءات لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وأطلق تأجيل القروض، واستفاد من ذلك أكثر من 100 ألف عقد كقروض وصلت قيمتها إلى 200 مليار ريال.
كما أن هذه الممارسات السليمة تعكس صلابة النظام المالي، وهذا الوضع مكن الاقتصاد السعودي من تجاوز الأزمة المالية العالمية التي خسرت فيها أغلب دول العالم عددا من بنوكها، وأشهرت إفلاسها أو تراجعت مكتسباتها، لكن لم تخسر المملكة أي بنك خلال تلك الأزمة العالمية، كما أكد محافظ البنك المركزي، بل إن المملكة خرجت من تلك الأزمة الطويلة أقوى مما دخلتها وهي اليوم تتوسع في البنوك الرقمية، خاصة بعد صدور أول ترخيص لبنك رقمي لمصلحة بنك إس تي سي والبنك السعودي الرقمي، وهناك اليوم 32 شركة تقنية مالية تعمل في قطاعات مختلفة، سواء المدفوعات المالية أو التأمين أو غيرها من الأنشطة، ويظهر قطاع التأمين انتعاشا غير مسبوق بنمو الاكتتاب 10 في المائة وتحقيق القطاع هامش ملاءة مالية تصل إلى 170 في المائة ومعدل الخسائر أقل من 80 في المائة.
وإذا كنا نتحدث عن سندات دين حكومية وقطاع مالي واكتتابات وتوسعات رأسمالية، فإن وجود سوق مالية نشطة هو الفيصل في هذا النجاح. هنا تحدث رئيس مجلس هيئة السوق المالية في المناسبة نفسها حول تطوير قنوات كثيرة للتمويل أمام المستثمرين، وأن إتاحة الاستثمار في أدوات الدين الحكومية أسهمت في إيجاد هذا التنوع، مع وجود سيولة ضخمة في السوق المالية السعودية، وتضاعف نسبة تداول المستثمر المؤسسي، ولقد كان انعكاس الثقة بالاقتصاد السعودي واضحا في أداء السوق المالية، التي حققت تدفقات المالية الداخلة للسوق من 2019 حتى اليوم بنحو 135 مليار ريال، ومثل هذا التدفق من الاستثمارات، خاصة الأجنبية، لا يتحقق دونما تضافر جهود الأركان الثلاثة، وهي: المالية العامة والنظام البنكي المتقدم والرقمي، مع سوق مال مسارها منتعش وحركتها نشطة.

إنشرها