Author

فائدة متوازنة .. أسواق متوازنة

|

تظل معدلات الفائدة المحور الرئيس على صعيد السياسة المالية لأي دولة، ولا سيما الدول التي تتمتع فيها البنوك المركزية باستقلالية عن القرار السياسي. وإلى وقت قريب كانت حكومات الدول التي تعتمد اقتصاد السوق، تسيطر على سعر الفائدة، وتملك القرار بخفضها أو رفعها، حتى لو كانت نصائح المختصين معاكسة لذلك.
عموما الفائدة مرتبطة مباشرة بالتنمية والتضخم، بما في ذلك التضخم الناتج عن ارتفاع الطلب وتكاليف الإنتاج، فضلا عن أنها تعد مؤشرا صحيا أو غير صحي لأداء الاقتصاد الوطني في مؤشرات مختلفة ومتنوعة، خصوصا أنها ذات صلة مباشرة بقيمة العملة المحلية، التي بدورها تعد مؤشرا على الوضعية المالية لأي دولة. مع ضرورة الإشارة أيضا إلى أنها أداة سياسية عند الأحزاب الحاكمة عموما.
ومع ارتفاع الأسعار "التضخم" في الولايات المتحدة أخيرا، وبلوغها أعلى مستوى لها منذ أكثر من ثلاثة عقود، ينظر العالم إلى المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" حول خطوته التالية في مسألة رفع الفائدة من عدمها. فرفعها على الدولار لا يختص فقط بالحالة الأمريكية، بل ينسحب على دول كثيرة ترتبط بصور مختلفة بقيم عملاتها بالعملة الأمريكية، فضلا عن أن النسبة الكبرى من التجارة العالمية تتم من خلال الدولار.
وتعاني إدارة الرئيس جو بايدن حقا ضغوط ارتفاع التضخم، مع استمرار أسعار الوقود في السوق المحلية في الارتفاع، في ظل هجوم مباشر علني من بايدن على شركات البترول الأمريكية التي وصفها بالجشعة. وبصرف النظر عن الحالة الأمريكية الراهنة، فإن الفائدة أسهمت في العام الماضي "أو عام جائحة كورونا" في تخفيف الضغوط عن الاقتصادات. فكثير من الحكومات اعتمد فائدة منخفضة جدا إلى درجة أنها بلغت الصفر في دول منطقة اليورو.
لكن للفائدة جانبا مشرقا وآخر مظلما، خصوصا إذا كانت السياسات الاقتصادية خارج السيطرة، أو الإمكانات الدافعة بطيئة أو غائبة. مع التأكيد أن الاقتصادات الحديثة المرنة والقوية، يمكنها المواءمة بنجاح بين مستويات الفائدة، وحالات التضخم والبطالة ومسار أسواق المال، وغير ذلك من مسائل تتعلق بالوضع الاقتصادي العالمي. فإذا كان رفع الفائدة سيرفع تلقائيا قيمة العملة في دولة، فهو سيضغط بالطبع على صادرات الدولة ذاتها، لأن أسعار الصادرات سترتفع تلقائيا أيضا. وإذا كانت منخفضة في الوقت الخطأ، فسيؤدي ذلك - ببساطة - إلى ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف الحياة عموما. وأسواق الأسهم تتعرض في كثير من الأحيان إلى خروج نسبة من المستثمرين بفعل الفائدة المرتفعة، متجهين إلى حقول استثمارية أكثر ربحية.
لكن المحصلة، كل شيء يرتبط بالفائدة ومستوياتها يتعلق بالوضع الاقتصادي المحلي ومدى قوته أو ضعفه. وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي اضطرت بريطانيا إلى أن تخرج من آلية الصرف الأوروبية، بعد انهيار الجنيه الاسترليني، فهذه الآلية كانت مقدمة لإطلاق اليورو. ولندن لم تستطع أن توقف تراجع الاسترليني بينما كانت ترفع الفائدة كل نصف ساعة أو ساعة، إلى أن بلغت 16 في المائة، فالمسألة تتعلق بالحالة العامة للاقتصاد. إلا أن أغلب الاقتصادات المتقدمة تعتمد فائدة منخفضة، مستهدفة دفع النشاط الاقتصادي، وتسهيل الاقتراض الإيجابي. فما يمكن وصفه بالاقتراض السلبي، هو في الواقع كارثة مالية على الدولة. وكلنا نتذكر كيف فجر هذا النوع من الاقتراض الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008.
وبالفعل تعد معدلات الفائدة حساسة للغاية، والاستقرار السياسي للحكومات يمثل ركنا أساسيا في التعامل مع مستويات الفائدة عند الحاجة، أو عندما تتطلب الساحة الاقتصادية بكل قطاعاتها وأسواقها كبيرها وصغيرها.

إنشرها