Author

التعافي مستمر ودعائمه لا تزال قوية «2 من 3»

|

مدير عام صندوق النقد الدولي

أشرح بوضوح وأطرح رسالتي من هنا أن أولويتنا الأولى لتحقيق سلامة الاقتصاد العالمي هي تطعيم كل سكان العالم. إنها تكتسب أهمية قصوى في تحقيقنا الأهداف التي حددناها وتتمثل في تطعيم 40 في المائة على الأقل من سكان كل الدول مع نهاية هذا العام و70 في المائة بحلول منتصف العام المقبل، حتى نتمكن من الضغط بقوة أكبر على مكابح الجائحة. أما أولويتنا التالية للتعامل مع هذه المشكلات المترابطة، فهي إدراك أن الوقت الراهن أصعب على صناع السياسات مما كان العام الماضي، لأن الاقتصادات ليست في وضع موحد. بل الأهم الآن هو التحديد الواضح للإجراءات الصحيحة بالنسبة لظروف كل بلد.
وحين نتحدث عن التضخم - المشكلة الثالثة التي ذكرتها آنفا - نقول: إن على البنوك المركزية أن تظل يقظة للضغوط التضخمية. وكما رأينا في بعض الاقتصادات في أنحاء العالم، قد يتطلب الأمر إرسال إشارة واضحة واتخاذ موقف وقائي في الحالات التي تتحقق فيها مخاطر ارتفاع التضخم. ولم نر بعد كيف ستتعامل الاقتصادات المتقدمة مع التضخم، وكيف ستمضي البنوك المركزية الكبرى في العمل على تخفيفه.
ويمكنني أن أقول: إننا في صندوق النقد الدولي نتابع الأوضاع باهتمام بالغ، حيث نمعن النظر في سيناريوهات السياسة النقدية وسياسة المالية العامة في الاقتصادات المتقدمة، وآثار تداعياتها الممكنة على الاقتصادات الصاعدة والنامية. ما السبب في الأهمية الكبيرة لهذا الأمر؟ لأننا ندرك أنه رغم عودة النمو بمستوى معقول إلى حد ما، فإنه لم يترجم بعد إلى دفعة قوية لتوظيف العمالة.
ونعلم أن الشباب والنساء والمهاجرين والعمالة ذات المهارات المحدودة هي الفئات الأشد تأثرا في بعض مختلف أنحاء المنطقة. والأمر المثير للقلق البالغ بالنسبة لبعض الدول، هو الضرر الشديد الذي لحق بمنشآت الأعمال الصغيرة، خاصة في مجال السياحة وغيرها من القطاعات التي تعتمد بكثافة على الاتصال المباشر. ولم تنخفض البطالة بسرعة عن الذروة التي سجلتها العام الماضي التي بلغت 11.6 في المائة. ونحن نرى كثيرين يخرجون من سوق العمل أو يتركون التعليم. ويشكل هذا قضية ملحة على مستوى المنطقة.
وسأطرح هنا بعض الخواطر حول أفضل السبل التي قد تكفل معالجة هذه المشكلات.
قالت زها حديد المعمارية العراقية: إن عملها تطور ليتحول إلى رغبة في ابتكار مبان تتصل معا، تشكل مشهدا من نوع جديد، تنساب سويا لتتماهى مع حيوات قاطنيها. وهذا هو ما نواجهه الآن فنحن بحاجة إلى بناء مشهد اقتصادي من نوع جديد، يحتوي الجميع ويؤثر بالإيجاب في حياة الناس.
وتقع أطر المالية العامة متوسطة الأجل في قلب هذا المشهد. وتعمل على إحداث توازن مستدام بين احتياجاتنا الملحة - أي: الإنفاق الصحي والإنفاق على الإمدادات الحيوية - وبين أهدافنا الأطول أجلا المتمثلة في الاستثمارات التحويلية وخفض الديون. إنه توازن ضروري لتقليل الحاجة إلى إجراء تعديلات للتكيف، وتيسير المفاضلة بين الخيارات على مستوى السياسات، وبناء الثقة لدى كل من الأسواق والمواطنين.
إن السمة الثانية الجوهرية في هذا المشهد الجديد، وهي اعتماد الشفافية والمساءلة الكاملتين لتحقيق كفاءة الإنفاق، والقضاء على إهدار الموارد، واجتثاث جذور الفساد الوخيم، وجعل البرامج الحكومية محققة لأهدافها في مصلحة المواطنين. وفي هذا الصدد، من شأن إبلاغ البيانات والرقابة على نحو مراع للدقة وجودة التوقيت والإتاحة أن يسهما بدرجة هائلة في تعريف المواطنين بكيفية تحصيل الموارد وضمان موافاتهم بمعلومات واضحة عن أوجه الإنفاق. وبالطبع، تستطيع التكنولوجيا المساعدة في هذا الخصوص.
وهنا أسوق إليكم ثلاثة أمثلة. في عام 2018، أطلقت السعودية منصة "اعتماد" لإدارة المالية العامة كي تجمع فيها بين المناقصات والمشتريات، وتتيح للمتعاقدين والموردين إدارة المطالبات عبر شبكة الإنترنت.
وينشر الأردن بيانات منتظمة على شبكة الإنترنت بشأن المشتريات التي يتم الإنفاق عليها في سياق التصدي لجائحة كوفيد - 19، كما ينشر العقود ومعلومات ملكية الانتفاع. وفي المغرب عالجت بوابة "شكاية" عددا مذهلا من الشكاوى قدره 700 ألف شكوى. وتحظى هذه الخدمة برضا أغلب مستخدميها؛ ما يعزز ركائز السياسة العامة القائمة على الشفافية والمساءلة.
وفي الوقت الراهن، الذي يؤثر فيه أي مستوى من الإنفاق وإن كان ضئيلا، يؤدي هذا أيضا إلى تأمين مساندة المواطنين لبرامج الاستثمار العام والإنفاق الاجتماعي جيدة التصميم، وكذا الإصلاحات اللازمة لنمو القطاع الخاص... يتبع.
إنشرها