Author

حتى لا تقع في شراكهم

|

تعد سوق "الفوركس" من أكبر الأسواق العالمية المالية، حيث تجاوز حجم التداول فيها تريليونات الدولارات أخيرا، في ظل وجود سيولة عالية وساعات عمل مستمرة وفرص متنوعة. ويقع أفراد المجتمع الراغبون في استثمار أموالهم ضحايا الإعلانات الوهمية التي تدعو الأفراد إلى الاستثمار في "الفوركس"، في ظل وجود شبكات خارجية تعمل على اصطياد أفراد المجتمعات، خصوصا الخليجية، وإيهامهم بالثراء السريع، إذ قد يضعون في البداية حوافز مشجعة تغري الفرد وتجذبه، وما إن يبدأ الفرد الاطمئنان لمحفظته الاستثمارية بوجود بعض العوائد، حتى ينقلب الوضع رأسا على عقب، ويصبح في موقف لا يحسد عليه، بعد استنزاف حصة كبيرة من أمواله.
كما توجد مخاطر لهذا النوع من التعاملات، إذ إن عديدا من المستثمرين خسروا أموالهم بسبب الوسيط الذي يقوم بعملية الاستثمار، فمع الأسف، كثيرون يتجاهلون مصداقيته ويندفعون نحو الاستثمار، فكانت النتيجة حدوث عمليات نصب واحتيال، لذا فإن القطاعات المالية في كثير من الدول حذرت من هذا الأمر.
وحقيقة لا توجد أرقام محددة للخسائر الناجمة عن المتاجرة بالأوراق المالية في سوق العملات الأجنبية "الفوركس" والعملات الرقمية غير المرخصة. وفي مثل هذه الميادين يخفي البعض معلومات عن الأموال التي خسروها فعلا، لأسباب عديدة، في مقدمتها أنهم دخلوا استثمارات غير قانونية. وفي هذا الميدان الذي يتسع يوما بعد يوم، هناك مغريات كثيرة، على رأسها الربح السريع المضاعف عدة مرات. وهذا الأسلوب ليس جديدا، حيث أطلقه بصورة مختلفة تشارلز بونزي المحتال الإيطالي - الأمريكي، في أول القرن الماضي في الولايات المتحدة، وتكرر الأسلوب في أغلبية الدول بعد ذلك، وكانت النتائج خسائر فادحة للأفراد من كل الشرائح في هذا المجتمع أو ذاك. ففي العالم الافتراضي الإلكتروني هناك مساحات واسعة للاحتيال، خصوصا إذا كان الميدان خارج نطاق التشريعات والرقابة الحكومية.
من هنا، يمكننا فهم تحذيرات الجهات المختصة من نشاط المتاجرة بالأوراق المالية والعملات الرقمية غير المرخصة. بل ضبطت السلطات المختصة أشخاصا ادعوا أنهم محامون، بإمكانهم الحصول على أموال الناس التي اختفت عبر الاحتيال الإلكتروني. إلا أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، التي لا تخضع الأخرى للرقابة الدولية اللازمة، يسهم مباشرة في توسع نطاق عمليات النصب، عبر الإعلانات البراقة والفيديوهات الجذابة، والوعود الكاذبة، أضف إلى ذلك الرغبة عند أي شخص في تحقيق الربح السريع.
تكبد تلك العمليات غير الشرعية في نطاق المتاجرة المالية الإلكترونية، سواء بالأوراق المالية أو العملات الرقمية، وغيرها من مشتقات السوق العامة، الاقتصادات الوطنية خسائر بالغة أيضا، لأنها حتى لو حققت بعض العوائد الأولية للمستثمر، فلا تخضع للضرائب أبدا، فضلا عن أن الأشخاص الذين يتعرضون لعمليات الاحتيال هذه، سيحتاجون إلى الرعاية الاجتماعية المكلفة ومعهم أسرهم لفترة طويلة، إلى جانب كثير من العوامل الأخرى، من بينها مخاطر استثمار الأموال المكتسبة في مجالات غير شرعية كالمخدرات والاتجار بالبشر والتهريب وطرق ملتوية أخرى. والجرائم الإلكترونية بشكل عام ترتفع من حيث عدد العمليات وحجم الخسائر. وبحسب مؤسسة "سايبر" للأمن الإلكتروني، ستبلغ خسائر هذا النوع من الجرائم على مستوى العالم 10.5 تريليون دولار بحلول 2025. وتحاول الحكومات أن تقلل من حجم هذه الخسائر عبر ضخ استثمارات في البنية التحتية للأمن الإلكتروني.
وفي السعودية تبذل الجهات المختصة الجهود لمحاربة عمليات الاحتيال الإلكتروني في كل مجال، ليس فقط عبر ملاحقة من يقومون بهذه العمليات أفرادا ومجموعات، بل أيضا من خلال نشر ثقافة الاستثمار الواعي الذي يعتمد على أسس واضحة، بأدوات ووسائل شرعية كاملة، خصوصا مع توسع أنشطة "الفوركس" والعملات الرقمية.
ورغم كل التحذيرات والملاحقات تستمر تلك الجرائم عبر مزيج من الإغراءات والطمع في آن معا. ولا بد من الإشارة إلى أن العملات الرقمية على وجه الخصوص، تمثل معضلة لكل الحكومات، فلا تزال التشريعات الخاصة بها غائبة، فضلا عن انتشار أعداد كبيرة منها بسرعة مخيفة. وهذه العملات تبقى ميدانا مثاليا للسرقات الإلكترونية. الساحات الإلكترونية المالية تتسع دائرتها، ولا يمكن وقف العمليات غير الشرعية بشكل سريع إلا من خلال تكريس ثقافة الاستثمار الواعي، والأمن الوقائي، والتوعية بأشكالها ووسائلها المتعددة.

إنشرها