الفكر الاقتصادي المرتبط بالطبيعة «2 من 3»
تنشأ عن النمو السكاني انعكاسات كبيرة على حجم الطلب على الطبيعة، بما في ذلك أنماط الاستهلاك العالمي المستقبلية. ويمكن المساهمة في تغيير التفضيلات والسلوكيات وتسريع وتيرة التحول الديموغرافي من خلال دعم الجهود المجتمعية في مجال تنظيم الأسرة، إلى جانب زيادة قدرة النساء على التمويل والمعلومات والتعليم.
وحول الثروة المشتركة ينطوي التحول الثاني على استخدام مقياس مختلف للنجاح الاقتصادي. فإعادة تصميم الأدوات المستخدمة في القياس الاقتصادي تمثل خطوة مهمة في هذا الصدد. ويظل إجمالي الناتج المحلي مقياسا مهما للنشاط الاقتصادي في سياق تحليل الاقتصاد الكلي على المدى القصير، لكنه أداة غير ملائمة لقياس الأداء الاقتصادي على المدى الطويل، نظرا لأنه لا يعكس دور قراراتنا في زيادة أو تراجع أصول الاقتصاد، ولا سيما أصوله الطبيعية.
وينبغي عوضا عن ذلك استخدام مقياس يعكس قيمة جميع الأرصدة الرأسمالية - رأس المال المنتج (الطرق والمباني والموانئ والآلات) ورأس المال البشري (المهارات والمعرفة) ورأس المال الطبيعي. ويمكن أن نطلق على هذا المقياس اسم الثروة المشتركة. ويشمل مصطلح الثروة المشتركة جميع أنواع رأس المال الثلاثة، ويعكس منافع الاستثمار في أصول الطبيعة والمفاضلات والتفاعلات بين الاستثمارات في مختلف الأصول. ما يعطينا صورة أشمل يمكننا من خلالها تحديد مدى تحقق الرخاء الاقتصادي في بلد ما من عدمه. وأشارت الدراسة المذكورة إلى موازنة الرخاء في نيوزيلندا وإجمالي ناتج النظم الإيكولوجية في الصين كمثالين على الخطوات المتخذة في الوقت الحالي لإيجاد تلك الصورة الأشمل.
وبيانا لما سبق، لا تعكس إيرادات تصدير الموارد الطبيعية المنتجات الأولية في المناطق الاستوائية على سبيل المثال التكلفة الاجتماعية المترتبة على انتزاعها من البيئة. وبعبارة أخرى، فإن التجارة في هذه السلع لا تعكس تأثير عملية الاستخراج على النظام الإيكولوجي الذي تم استخراج هذه السلع منه أو التداعيات التي تواجهها تلك المجتمعات على المدى الطويل نتيجة لذلك. ويعد ذلك بالتالي انتقالا للثروة من الدول المصدرة للمنتجات الأولية إلى الدول المستوردة. ما يمثل مفارقة كبيرة، نظرا لأن التوسع في التجارة الدولية ربما يكون قد أسهم في انتقال ثروات هائلة من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية دون قيدها في الإحصاءات الرسمية.
ولا يكفي بالطبع أن نولي أصول الطبيعة اهتمامنا وحسب، بل نحن في حاجة إلى الاستثمار في الطبيعة. ويتطلب ذلك وجود نظام مالي قادر على توجيه الاستثمارات المالية - العامة والخاصة - تجاه الأنشطة الاقتصادية التي تسهم في تعزيز أرصدة هذه الأصول والتشجيع على استدامة استهلاكها وإنتاجها. والاستثمار قد يعني مجرد الانتظار أيضا، فكف أيدينا عن الطبيعة سيتيح لها فرصة النمو والتجدد. وحول إخفاق المؤسسات، فإن هذا الأمر ينقلنا إلى التحول الثالث. والمقصود به تحول المؤسسات لتمكينها من إحداث التغيير المنشود.
وتكمن وراء علاقتنا غير المستدامة مع الطبيعة إخفاقات مؤسسية عميقة. فالأسعار السوقية لا تعكس قيمة الطبيعة بالنسبة للمجتمع، أي: قيمة السلع والخدمات التي توفرها الطبيعة. فالبحار المفتوحة والغلاف الجوي جميعها موارد متاحة للجميع، ما جعلها فريسة لما نطلق عليه مأساة الموارد المشتركة.