Author

هل سيحد الغرب من تطور ونمو وتمدد الصين؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
تمر الصين حاليا بفترة عصيبة أو منعطف صعب في مسيرة الارتقاء لتربع عرش أقوى دولة في العالم، أو بالأحرى إزاحة الولايات المتحدة عن الصدارة.
هناك ما يشبه الهمهمة التي أصبح حتى الهمس بها مسموعا لدى غرمائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حيث يبدو أن الصين غادرت سياسة الانكفاء والانطواء حتى تحين الفرصة كي تزمجر وتطلق دويها الذي طال انتظاره، معلنة أنها أصبحت القوى الأعظم في العالم.
وهناك دول كثيرة في العام تنتظر، منها بفارغ الصبر ومنها بهلع، إعلان الصين ذاتها الأعظم في العالم.
مع كل هذا، وأيا كان موقفنا وأيا كانت توقعاتنا، فإن الصين تواجه حاليا بعض العقبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ربما لم تكن في الحسبان في طريقها كي تصبح القوى المهينة في العالم.
للصين محبون وللصين كارهون، شأنها شأن أي دولة تلعب دورا محوريا في العالم.
واليوم يخشى محبو الصين عدم تحقيق أحلامهم برؤية دولتهم المفضلة تزيح نير أمريكا والغرب عن كاهلهم لذا في قرارة أنفسهم ربما كانوا يتمنون أن تكون "الهمهمة" أمرا داخليا لا يتجاوز صداه أصحاب الشأن.
هؤلاء هالهم تراص الغرب وراء أمريكا للحد من الهيمنة الصينية على العالم. في دواخلهم ربما حسرة لأن الصين استعجلت أمرها وكشفت عن خططها قبل أن تبلغ القمة من حيث التأثير السياسي والمالي والاقتصادي.
كارهو الصين سعداء اليوم لأنهم، في قرارة أنفسهم، يشكرون القيادة الصينية الحالية التي، حسب رؤيتهم، "كشرت عن أنيابها" قبل أن تصبح القوى المهيمنة رقم واحد في العالم.
منافسو ومناوئو الصين كانوا في حاجة إلى إشارة وحسب عن النيات الكامنة للدولة الصينية كي يدرسوا بجدية ومن ثم يقررون كيفية مواجهة طموحها للاستحواذ على الصدارة في العالم. وهذا ما يقع حاليا، حيث يتهافت الغرب بقيادة أمريكا لمواجهة بروز الصين ورغبتها ليست المبيتة بل الظاهرة للقيادة.
وتسارعت الأحداث منذ تولي القيادة الحالية الحكم في الصين، حيث نلحظ تحالفات واتفاقات وإجراءات تتخذها الدول المناوئة للصين على رأسها الولايات المتحدة خشية أن يبتلعهم التنين الآسيوي.
الرئيس شي جين بينج ليس دينج شياو بينج الزعيم الذي قاد الصين عام 1978 حتى عام 1989. دينج شياو بينج هو الذي دشن نهضة الصين الحديثة ونموها الخارق الذي لا يزال شاخصا، ولهذا يعده كثيرون مهندس الصين الحديثة حيث مزج النظام الرأسمالي والاستثمارات الغربية التي تدفقت مثل الطوفان مع نظام سياسي يعتمد الأيديولوجيا الشيوعية الماركسية اللينينية.
بمعنى آخر، الصين في مستهل العقد الثالث من القرن الـ 21 ليست الصين في الثمانينيات من القرن الماضي. في حينه، كان الرئيس دينج شياو بينج يطلب من شعبه التريث وعدم التشدق بالإنجازات والتستر على الإمكانات الهائلة للصين.
دولة الصين الحالية يبدو أنها على عجلة من أمرها، حيث تتبع سياسة وخطابا فيه تحد ونبرة الاستعداد للمواجهة، وأنه لم يعد متسع أو مكان لاستراتيجية عدم البوح بالإمكانات والإنجازات.
وظهرت هذه السياسة بصورة جلية في آخر لقاء افتراضي بين الرئيسين الأمريكي والصيني يوم الثلاثاء الماضي حيث حذر الولايات المتحدة من أن السعي لتحقيق استقلال تايوان "لعب بالنار".
أن تهدد الولايات المتحدة الدول الأخرى، مهما كان حجمها ومدى اقتصادها وتأثيرها، فهذا لعمري أمر اعتدنا عليه. لكن أن تحذر الصين الولايات المتحدة بشخص رئيسها من أن الجريان وراء سياسة محددة هو "لعب بالنار"، فهنا نحن على أعتاب عالم لم نعهده سابقا.
كثيرون يرون أن القيادة الحالية في بكين ستعلن زعامة الصين للعالم، وهو حقا يرغب ويخطط لذلك ولم يعد ذلك خافيا.
وأصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها على دراية بأن الصين تميط اللثام دون خشية عن قوتها وهيمنتها سياسيا واقتصاديا مع اعتقاد صار يترسخ بمرور الزمن آن أوان احتواء الصين أو ردعها أو إيقافها قد فات.
العرب مشهود لهم أمثالهم وما خطر ببالي كان "الصيف ضيعت اللبن" وأنا أراقب اللقاء الافتراضي بين زعيمي الدولتين في الثلاثاء الماضي.
يرى المراقبون أن القيادة الصينية الحالية المعاصرة أكثر صرامة وشدة، وأنه نقش الكتابة على الحائط منذ تسنمه منصبه عام 2013.
أظن أن العالم دشن مع مقدم عقدنا هذا -العقد الثالث من القرن الـ 21- عالم ثنائي الأقطاب، وسيتحول بالتدريج، ربما في غضون عقدين كأقصى حد إلى عالم متعدد الأقطاب.
وأظن أيضا أن زمن تربع دولة واحدة على عرش الدنيا لعقود متتالية أو قرون قد ولى دون رجعة.
إنشرها