Author

أيها الموهوب .. هناك من يهتم بك

|

لا شك أن الرصيد الأول لأي أمة هو الإنسان، وإذا أردنا أن نستخدم التعبيرات الاقتصادية والاجتماعية المتداولة، نقول إنه الثروة البشرية. وعلى ذلك فإن إدارة هذه الثروة، بما يشمل الاستثمار في تمكينها، والعمل على تشغيلها والاستفادة من معطياتها، مع توخي الكفاءة والفاعلية في ذلك، أمر تنشده الأمم الطامحة إلى التقدم وتسعى إليه. وإذا نظرنا إلى جانب التمكين، نذكر أولا التعليم الذي يهتم بالتأهيل المعرفي في المجالات المختلفة النظرية والتطبيقية من جهة، ويسعى إلى تنمية الإمكانات الذهنية وتفعيل التفكير نحو الإبداع والابتكار من جهة ثانية. لكن التعليم يجب ألا يكون وحيدا على ساحة التمكين، حيث لا بد من إسهامات أخرى، تشارك فيها جميع المؤسسات المهتمة بالثروة البشرية والمستفيدة منها، من أجل تعزيز هذا التمكين وتفعيل نشاطاته. وتبرز أهمية هذا الأمر خصوصا مع التقدم المعرفي المتسارع الذي يشهده هذا العصر، من خلال تنافس واضح على الإبداع والابتكار، وتقديم معطيات جديدة غير مسبوقة.
وقد طرحنا في مقال سابق، نشر على هذه الصفحة، يوم 14 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، موضوع تمكين الثروة البشرية والتعليم، وإسهام المؤسسات المختلفة في هذا المجال. وقدمنا ثلاثة أمثلة على مثل هذه المؤسسات هي: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، التي تعرف بنادي الدول الغنية، وتضم في عضويتها 36 دولة، ومؤسسة كسب قضايا المستقبل Winning Futures الأمريكية غير الربحية المهتمة بتمكين التأهيل المناسب لسوق العمل، إضافة إلى المجموعة الوطنية الأمريكية لصغار السن الموهوبين NAGC المعنية بتقديم برامج وخدمات للموهوبين من أجل الارتقاء بإمكاناتهم وتميزهم لما في ذلك من خير مأمول للمجتمع.
يطرح هذا المقال مسألة الاهتمام بتنشئة الموهوبين وتمكينهم وتعزيز إمكاناتهم كي يكونوا مصادر إبداع وابتكار قادرة على دعم التنمية وتفعيل استدامتها. وتتلخص الموهبة في أنها صفة في الإنسان تعطيه تميزا يتمتع بقيمة في مجال من مجالات الحياة. وقد تبقى هذه الموهبة كامنة، ما لم تتم رعايتها وتمكينها وتنميتها نحو عطاء متميز ومتجدد، ينفع صاحبها من جهة، ويفيد المجتمع من حوله من ناحية ثانية. وتختلف الآراء والنظرات بشأن الموهبة، لكن المتفق عليه بشأنها هو أنها تميز، وأن هذا التميز يختلف بين شخص وآخر، ولا يرتبط بمجال واحد فقط، بل يشمل مختلف مجالات الحياة. ويضاف إلى ذلك حقيقة أن الموهبة قابلة للتطور والنمو والوصول إلى النبوغ، عندما تتوافر لها البيئة المناسبة لذلك. ويقدم مثل هذا النبوغ المتجدد، مع تجدد تمكين أصحاب المواهب، إسهامات متميزة في مسيرة الإبداع والابتكار، وتحقيق التنمية المنشودة.
تبرز أمامنا، في مسألة رعاية المواهب مؤسسة الملك عبدالعزيز رجاله للموهبة والإبداع التي تعرف أيضا بمؤسسة موهبة. تقول رؤية هذه المؤسسة: إنها تتطلع إلى تمكين الموهبة والإبداع كونهما الرافد الأساس لازدهار البشرية، وتبين رسالتها أنها تعمل على إيجاد بيئة محفزة للموهبة والإبداع وتعزيز الشغف بالعلوم والمعرفة لبناء قادة المستقبل. وتطرح قيمها خمس صفات مطلوبة للإبداع هي: الشغف، والتميز، والإبداع، والتعاون، والثقة. وعلى أساس رؤيتها ورسالتها وقيمها، تنفذ مؤسسة موهبة برامج لرعاية الموهوبين وتمكين قدراتهم وتعزيز تميزهم، وتشارك المؤسسة، بمن ترعى من الموهوبين، في مسابقات محلية ودولية، كما تسهم في إقامتها، من أجل تفعيل الإمكانات التنافسية لدى الموهوبين، ويضاف إلى ذلك خدمات مختلفة أخرى تقدم للموهوبين، تشمل خدمات إلكترونية عبر الإنترنت تأخذ طريقها إلى التوسع باطراد.
تهتم مؤسسة موهبة، بشكل رئيس، بمواهب التميز العلمي التي تشمل موضوعات العلوم Science، والتقنية Technology، والهندسة Engineering، والرياضيات Mathematics، وتعرف هذه الموضوعات على المستوى العالمي بالاختصار STEM. وتتضمن مسيرة الموهوب عبرها خمس مراحل رئيسة. تعمل المرحلة الأولى على اكتشافExploration الموهوبين من خلال اختبارات خاصة. وتقوم المرحلة الثانية بتمكين Empowerment هؤلاء الموهوبين من خلال برامج تعمل على تعزيز إمكاناتهم. أما المرحلة الثالثة، فغايتها الوصل بهم إلى التميز Excellence، لتأخذهم المرحلة الرابعة إلى المشاركة Engagement والتواصل مع أقرانهم والتنافس معهم في المعارض والمسابقات، وإبراز الإمكانات وتحقيق الإنجازات. وتدفعهم المرحلة الخامسة بعد ذلك إلى التفعيل Enablement والانطلاق نحو التفوق في الجامعات، ونحو حياة مهنية تعزز التنمية وتدعم استدامتها. ويلاحظ في هذه المراحل أنها مراحل استثمار في بناء متصل تقود إلى عطاء متميز منشود. وتعرف هذه المراحل بالاختصار 5E.
أسست موهبة عام 1420 للهجرة، وتجاوزت مسيرتها في رعاية الموهوبين عقدين من الزمن. وبالطبع لن يستطيع أي مقال الإحاطة بتجاربها ومنجزاتها عبر مسيرتها، وطموحاتها وخططها للمستقبل. لكن نظرة إلى موقعها على الإنترنت https://www.mawhiba.org تبين بعض ما قامت به من إنجازات رئيسة، وما تقوم به حاليا من نشاطات. ولعل بين أبرز منجزاتها اكتشاف أكثر من 144 ألف موهوب، والحصول على 400 ميدالية وشهادة تقدير في الأولمبياد الدولية، وعلى 75 جائزة في المعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF الذي يعقد دوريا على المستوى الدولي، ويشارك فيه طلاب وطالبات المدرس من مختلف أنحاء العالم. وفي إطار أعمالها الحالية، التي تستهدف معطيات مستقبلية، اتفاقيتان مع مؤسسات عالمية، يستفيد منهما الموهوبون، تم توقيعهما هذا الشهر. جرت الاتفاقية الأولى مع شركة هواوي Huawei بهدف التعاون على تنمية المهارات الرقمية للموهوبين وبناء القدرات الرقمية لمدربي برامج موهبة. أما الاتفاقية الثانية فجرت مع شركة كورسيرا Coursera بهدف التعاون على تدريب الموهوبين في المجالات العلمية والتقنية.
لعل ما سبق قد ألقى بعض الضوء على مسألة الموهبة عموما، وعلى مؤسسة موهبة خصوصا، ولا شك أن الموضوع يحتاج إلى مزيد. لكن الأمل المنشود من ذلك هو إبراز أن هناك من يهتم بالناشئة المتميزين، ويستثمر في رعايتهم، وتنمية إمكاناتهم، وتفعيل عطائهم. ومن هذا المنطلق فإن على كل أسرة أن تشجع أبناءها على التميز، وتبادر إلى الاستفادة من معطيات مؤسسة موهبة في العمل على رعاية تميزهم، والاستثمار في إمكاناتهم، من أجل مستقبل منشود أكثر إشراقا بمشيئة الله.

إنشرها