سلسلة الإمداد والتخطيط المركزي «1من 2»
تعد سلسلة الإمداد أشبه باختبار رورشاخ حيث يرى فيه كل محلل اقتصادي نمطا يعكس تصوراته المسبقة. قد يكون هذا أمرا حتميا، لأن كل شخص هو نتاج تعليمات وخلفيات وتحيزات مختلفة. لكن بعض الأنماط المرصودة أكثر قابلية للتصديق من غيرها.
يجب الأخذ في الحسبان عينات وجهات النظر التالية. ووفقا لجيسون فورمان، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما سابقا، ولورنس إتش سمرز، وزير الخزانة الأمريكي السابق، تتعلق مشكلة سلسلة التوريد اليوم بالطلب المفرط. وبحسب فورمان، فإنها قضية من الدرجة العالية التي تعكس اقتصادا قويا. كانت الخطيئة الأصلية هي خطة الإنقاذ الأمريكية، التي قدمت كثيرا من الدعم من خلال الأموال التي تم توزيعها مباشرة على الأسر الأمريكية.
وبالنسبة لجون تامني، المحرر في صحيفة RealClearMarkets، فإن مشكلة سلسلة التوريد تتعلق بالتخطيط المركزي. لو لم تقم إدارة الرئيس جو بايدن بإرسال توجيهات إلى مديري الموانئ، لكانت الأسواق الحرة قد تمكنت من تسوية كل المشكلات. وبالنسبة لأوي فيدرجروين، أستاذ الإدارة في كلية كولومبيا للأعمال، فإن المشكلة تكمن في عدم الكفاءة، وعلاجها يتمثل في العمل بجد وتحقيق المزيد بموارد أقل.
لا تخضع أي من هذه التفسيرات للتدقيق. لقد فشل سيناريو الطلب المفرط من الوهلة الأولى. فبعد كل شيء لا يوجد نقص في السلع. إن السفن المحملة بالإمدادات - 30 مليون طن منها - موجودة الآن خارج موانئ الولايات المتحدة، مع مزيد منها على الطريق. كما أن أسعار الإنتاج لم ترتفع بشكل حاد. فقد كان الجزء الأكبر من التضخم حتى الآن في مجال الطاقة "مدفوعا جزئيا بالانتعاش من الركود الناجم عن اندلاع الجائحة" وفي السيارات والشاحنات المستعملة، التي كانت تنتج سابقا سلعا مطلوبة بسبب نقص أشباه الموصلات الذي يؤثر في الشركات المصنعة للسيارات.
ولا يمكننا القول أيضا: إن هذا النقص تحديدا ليس نتيجة زيادة الطلب. أثناء الجائحة، تنبأ صناع الشرائح الإلكترونية بتحول أكبر في تكوين الطلب نحو الأدوات والأجهزة المنزلية وبعيدا عن السيارات مما حدث بالفعل. الآن لديهم كثير من نوع واحد من الرقائق وعدد غير كاف من الأنواع الأخرى.
أما فيما يتعلق بعنصر التخطيط المركزي لسلاسل الإمداد، فهذا أمر متوقع من دوائر معينة. وهذا يعني ضمنا أن كل شيء سيكون على ما يرام لو لم تنتبه إدارة بايدن للأمر. بغض النظر عن أن تدخل بايدن كان لمجرد حث مديري الموانئ على العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتفريج القوارب، وهي فكرة يفترض المرء أنها خطرت ببالهم بالفعل.
تقترب النقطة المتعلقة بالكفاءة أكثر من الواقع، إلا أن المشكلة لا تتعلق بالافتقار إلى الكفاءة، بل في الكفاءة المفرطة. وتحديدا فإن الكفاءة القصوى لسلاسل التوريد العالمية اليوم هي عيبها القاتل. تعد الموانئ التي تدار بشكل جيد بمنزلة نماذج للإنتاجية الفائقة والتكاليف المنخفضة. وهي تحتوي على أرصفة التحميل، وخطوط السكك الحديدية، وخزائن للشاحنات، وأماكن للتخزين، ومعدات رفع الأثقال لتلائم حركة المرور التي يتوقعونها. إن بناء القدرات بما يتجاوز هامش الأمان الصغير سيكون مجرد إهدار... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.