Author

المرونة الاستثمارية لاستدامة الصناديق

|

لم تتأثر صناديق التقاعد الكبرى حول العالم سلبيا بصورة كبيرة، بفعل الأزمة الاقتصادية التي جلبتها جائحة كورونا إلى الساحة الدولية. وإن بعضها تجاوز الأزمة بالفعل، وبعضها الآخر رفع قيمته حتى في العام الماضي أو عام الجائحة. لكن هذا لا يحصنها أمام ضربات مستمرة قد تحدث في المستقبل.
فصناديق التقاعد نالتها الخسائر خلال الأزمة الاقتصادية التي انفجرت في 2008، حتى حين كانت ساحة للاحتيال من قبل شخصيات معروفة في عالم الاستثمار خصوصا في الولايات المتحدة. وفي أزمات سابقة تعرضت لضغوط مختلفة لكنها نجت أو كانت المخاطر التي واجهتها أقل.
الآن تواجه هذه الصناديق بمستويات متفاوتة ما يمكن وصفه أزمة مدخرات رغم أن بعض المختصين لا يرون مخاطرها قوية.
صناديق التقاعد تعد من أقوى المؤسسات الاقتصادية، وأكثرها ثراء وتأثيرا في مؤشرات الاقتصاد العالمي. وهذا أمر طبيعي إذا ما عرفنا أن 22 سوقا رئيسة استمرت في الصعود خلال عام الجائحة وارتفعت بنسبة 11 في المائة ليصل إجمالي أصولها الاستثمارية إلى 52.5 تريليون دولار. وفي العام المالي الذي انتهى في آذار (مارس) الماضي في اليابان، حيث حقق صندوق التقاعد الياباني عوائد بلغت نحو مليار دولار في اليوم الواحد.
وتنوعت استثمارات هذا الصندوق، إلا أن العوائد الأكبر كانت تلك الآتية من استثماراته في الأسهم الأجنبية، في حين تعرضت الاستثمارات في الأسهم المحلية إلى هبوط عوضته العوائد الأخرى الآتية من مصادر مختلفة. ولا شك أن عوائد السندات الأجنبية تمثل محورا استثماريا رئيسا لكل صناديق التقاعد الناجحة والمؤثرة.
وتحظى سبع دول فقط بنسبة 92 في المائة من إجمالي أصول المعاشات التقاعدية في العالم، هي: الولايات المتحدة، بريطانيا، سويسرا، هولندا، كندا، أستراليا، واليابان. وكما هو معروف تتصدر الولايات المتحدة القائمة من حيث الحجم بـ 62 في المائة من أصول معاشات التقاعد على المستوى الدولي. تليها اليابان فالمملكة المتحدة.
هناك مجموعة من التحديات تواجه هذه الصناديق، مثل بقية التحديات التي تواجه القطاعات المولدة للعوائد، في مقدمتها المرونة الاستثمارية -إن جاز التعبيرـ وأن يكون المسؤولون عنها منفحتين على أنماط أخرى جديدة من الاستثمارات، بما فيها تلك التي تتسم بمخاطر مقبولة. وهذا لا يعني أن الصناعة لا تتصف بالمرونة حاليا، بل على العكس ربما تكون أكثر مرونة من أنواع أخرى من المؤسسات المالكة للأصول، لكن التحديات المقبلة تواجه كل القطاعات على الساحة الاقتصادية، وبالتالي لا بد من استراتيجيات استثمارية متجددة.
واللافت في الأمر، أن هناك تنافسا حامي الوطيس بين صناديق التقاعد الكبرى نفسها، ما يضيف مزيدا من الأعباء على كاهل القائمين على أمرها، للحصول على حصتها المناسبة لها، أو المستحقة في السوق عموما. دون أن ننسى، أن هذه الصناديق تواجه منافسات أخرى من مؤسسات وشركات وصناديق تبحث عن العوائد في كل قطاع ممكن. إلا أن أكثر ما يهم المختصين في الوقت الراهن في هذا المجال، الفجوة في مدخرات التقاعد التي صارت ذات صبغة عالمية رغم اختلاف أنظمة التقاعد من بلد إلى آخر. والأمر ليس معقدا في هذا الجانب، فهذه الفجوة العالمية ترتبط بالشيخوخة المتزايدة والسريعة بسبب الاتجاهات الديموغرافية، وأيضا بنمو الطبقة المتوسطة على المستوى الدولي.
الأمر الذي يتفق عليه المختصون جميعا لتوفير الحماية اللازمة لصناديق التقاعد، ورفع مستوى أرباحها، وتكون لها الاستدامة التي تمكنها من الحراك المثمر والآمن، هو التنوع الاستثماري. وفي كل الأحوال فإن هذا التنوع يبقى ضامنا لأي جهة استثمارية.

إنشرها