صناعة الخدمات ..‏ صناعة الثروة

هو أحد مجالات الصناعة الذي يشكل جزءا من الاقتصاد في أي بلد. يهتم بإنتاج الخدمات بدلا من السلع الملموسة، يقسم الاقتصاديون النشاطات الاقتصادية إلى صنفين وهما: السلع والخدمات، صناعة السلع تشمل: المنتجات النفطية والزراعية والتعدين والصناعات التحويلية والبناء وغيرها من المنتجات الملموسة والمشاهدة والمتداولة بين الناس. أما صناعة الخدمات فهي تشمل كل ما عدا ذلك كالخدمات المصرفية والاتصالات وتجارة الجملة والتجزئة، وجميع الخدمات المدنية مثل الهندسة، برمجة الحاسوب، الخدمات الطبية، والنشاطات الاقتصادية غير الربحية كخدمة العملاء، والخدمات الحكومية التي تتضمن الدفاع والتعليم وضبط الحركة المرورية وحفظ الأمن وتطبيق التشريعات والعدل وغيرها. وتعد هيمنة الاقتصاد على الخدمات وتفوقه فيها من سمات الدول المتقدمة.
إذا نظرنا لنمو وتطور قطاع الخدمات في الولايات المتحدة نجد أنه كان يشكل نصف الناتج المحلي الإجمالي عام 1929، والثلثين عام 1978، وأكثر من ثلاثة أرباع عام 1993. رغم تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي ونمو الوظائف في الولايات المتحدة، إلا أن أداء قطاع الخدمات هناك لا يزال جيدا حيث يمثل هذا القطاع نحو 77 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 2019 ويبلغ ناتج قطاع الخدمات في الولايات المتحدة 15.1 تريليون دولار، وتمثل العمالة به 79.14 في المائة من إجمالي العمالة. من هنا يتبين أهمية حجم قطاع الخدمات في القطاع مقارنة بقطاع الصناعة لإنتاج السلع والمنتجات المختلفة. ولا تختلف الدول الصناعية كثيرا عن الوضع في الولايات المتحدة.
إن أبسط تفسير لنمو صناعة الخدمات، هو أن إنتاج السلع يتجه إلى استخدام الآلات الميكانيكية والريبوتات عوضا عن الأعمال اليدوية. لأن الآلات الميكانيكية تحقق زيادة في الإنتاج وهامش خطأ شبه معدوم. فتزداد أهمية وظائف الخدمات كالتوزيع والتمويل والمبيعات التي تلاحقها التقنية كذلك وتقلص من أهمية العنصر البشري فيها كذلك وكان لوباء كورونا الحالي سبب في التسارع في التحول فيها بقوة حيث تسهم التقنية الحديثة في التعامل مع العميل بشكل أفضل وتزود العميل بكل المعلومات المطلوبة وتسهل عمليات التواصل.
المعرفة وكثافة المعلومات هي أهم ميزة لصناعة الخدمات. يعمل صانعوا الخدمات على أخذ قدر كبير من المعلومات في عين الاعتبار إضافة إلى توظيف عمال ذوي كفاءات علمية ومهنية عالية. فعند تقديم خدمات قانونية، تحتاج الشركات إلى محامين ذوي كفاءة عالية في المجال القانوني إضافة إلى معالجة كم هائل من المعلومات. لا تعتمد الخدمات المالية على كثافة المعلومات، لكنها تحتاج إلى أنظمة مختصة في معالجة البيانات لتتبع العمليات والاستثمارات. عند دراسة نمو قطاع الخدمات في أوائل التسعينيات، أشار العالم كينيتشي أوماي إلى ما يلي: "في الولايات المتحدة، يعمل 70 في المائة من القوى العاملة في قطاع الخدمات، وفي اليابان، 60 في المائة، وتايوان، 50 في المائة. ليسوا بالضرورة من رجال الأعمال والخادمات في المنازل. وكثير منهم في الفئة المهنية، يكسبون ما يكسبه عمال التصنيع، وغالبا ما يكونون أكثر".
إن الزيادة المطردة للتجارة في قطاع الخدمات خاصة في الدول الصناعية هي بسبب زيادة الطلب على جميع أنواع الخدمات ويرجع ذلك إلى أنه كلما ازدادت الدولة غنى وتقدما ازداد طلب مواطنيها على الخدمات المختلفة كالمطاعم والفنادق والمواصلات والخدمات الترفيهية والخدمات البنكية والمالية وغيرها.
ويكتسب قطاع الخدمات في السعودية أهمية كبيرة في مسيرة اقتصادها حيث يمثل حاليا أكثر من 54.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي السعودي بالأسعار الجارية للربع الثالث 2020 (الاقتصاد السعودي)، بناتج قيمته نحو 361 مليار ريال، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي لجميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية في المملكة نحو 668.1 مليار ريال، يتصدرها نشاط "الخدمات الحكومية" بنسبة مساهمة 38.9 في المائة بقيمة نحو 140.6 مليار ريال، يليه "خدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال" 25.2 في المائة وقيمة 90.8 مليار ريال، ثم نشاط "تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق" بنسبة مساهمة 20.1 في المائة وقيمة 72.4 مليار ريال، يليه نشاط "النقل والتخزين والاتصالات" بمساهمة 11.5 في المائة وقيمة 41.5 مليار ريال، وأخيرا نشاط "خدمات جماعية واجتماعية وشخصية" كخامس وأخير مكون لقطاع الخدمات، بمساهمة 4.4 في المائة وقيمة 15.7 مليار ريال.
ويحقق قطاع الخدمات معدل النمو السنوي قريبا من 5 في المائة وهذه النسبة تعد من النسب العالية بمعدلات النمو السنوي مقارنة بالقطاعات الأخرى في المملكة رغم أن ذلك أيضا يعد مؤشرا غير مرض لمخططي ومهندسي رؤية 2030 والطموح أن تصبح الخدمات تمثل الدخل الرئيس في الاقتصاد الوطني لمساندة قطاع الإنتاج وتخفيف العبء الحالي الذي يتطلبه قطاع الصناعة والإنتاج بتحمله مسؤولية الإنتاج والقيام بالخدمات اللوجستية اللازمة لإتمام وايصال منتجاته للمستهلك النهائي سواء محليا أو للتصدير وهذا ينعكس على جودة الأداء لهذه الخدمات فإن قطاع السلع والمنتجات يكون عادة هو مجال الصناع والمزارعين وغيرهم أما مجال الخدمات فإنهم يقومون به مضطرين لإتمام سلسلة تداول منتجاتهم كي تتحقق أهدافهم التجارية منها. ولذلك نجد بعض الصناعات تواجه ما يشبه العوائق أمام نموها جراء عدم تكامل الخدمات فيها أو أنها متدنية الأداء.
ويتفاوت عدد العاملين في قطاع الخدمات في المملكة بحسب نوعية النشاط فهناك بعض المجالات في قطاع الخدمات تستقطب عددا كبيرا من القوى العاملة كالنشاط التجاري مثلا وهناك أنواع أخرى من مجالات قطاع الخدمات تحتوي على عدد قليل من القوى العاملة كالمكاتب الاستشارية الهندسية. وهذا التفاوت يرجع في الأصل إلى ماهية النشاط الخدمي ومقدار الطلب عليه فالمحال التجارية والفنادق والمطاعم هي النشاطات التي تمثل المجال التجاري في قطاع الخدمات وعندما نحلل عدد القوى العاملة في هذه النشاطات في المملكة نجدها من أعلى الأعداد مقارنة بالمجالات أو القطاعات الأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي