Author

الطبقة المتوسطة .. النشأة والتغيرات

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
من آثار ما يشهده العالم من أحداث وتطورات: زيادة الاهتمام بموضوع الطبقات في المجتمعات، تبعا لتأثر الدخول. والحديث هنا عن الطبقة المتوسطة. وتعني في كل مجتمع تلك الفئة من الأثرياء والفقراء والمساكين. المسمى حديث، ظهر بعد الثورة الصناعية. أما حقيقة الطبقة فموجودة في مختلف المجتمعات عبر التاريخ، لكنها كانت تعد ضمن الطبقة الغنية. لماذا؟ ذلك أن المسمى غني أصلا يعني في اللغة العربية الاستغناء. وفي موضوعنا يعني الاستغناء عن الحاجة إلى الآخرين في تأمين متطلبات العيش غير الكمالية. وعلى هذا يشمل المسمى الأثرياء وما ليسوا بأثرياء، لكنهم ليسوا فقراء. وهؤلاء هم من استقرت تسميتهم بالطبقة المتوسطة.
الزكاة تدفع عادة من الأغنياء للفقراء والمساكين. المنتمون للطبقة المتوسطة بالمعنى العصري لا تدفع لهم زكاة، بل غالبا يدفعون. أما الدفع لهم ففي حالات استثنائية خاصة. وعلى هذا، طبيعة الاقتصادات وزيادة متطلبات المعيشة والحياة بعد الثورة الصناعية جرت إلى مسمى الطبقة المتوسطة؛ كفرع مستقل من الطبقة الغنية. وجاءت الثورة التقنية لتزيد من آثار وتبعات الثورة الصناعية.
حيث إن الثورة الصناعية نشأت في الغرب، فقد تركزت الطبقة المتوسطة فيه. واستمر الوضع إلى أواسط القرن الميلادي الماضي. أما أغلب المجتمعات الأخرى، فقد كانت البساطة وانتشار الفقر سمتين سائدتين فيها. طبعا الأوضاع الاقتصادية عالميا لم تبق كما هي، بل تغيرت مع مرور الأعوام. قل الفقر وزاد على مستوى العالم المنتمون للطبقة الوسطى مع الوقت. ويلاحظ ذلك جليا في دول كالصين.
هناك رأي سائد أن الطبقة المتوسطة عنصر أمان لأي مجتمع، وسلامة بنيته. لكن الأنسب أن نقول إن انخفاض حجم الطبقة الفقيرة وتوفير مستلزمات العيش الضرورية لهذه الطبقة هما عنصرا الأمان الأهم. عنصران مهمان للاعتدال والأمن والأمان المجتمعي. وتزايد حجم الطبقة الفقيرة يعني تآكل حجم غيرها. وهذا التآكل يزيد من فرص الاختلال المجتمعي والأمني. وهو من جهة أخرى، يقلل من قدرة المجتمعات على التطور الاقتصادي.
كيف أثرت الجائحة؟
من المؤكد أن الاقتصادات تضررت بقوة وانخفضت الدخول الحقيقية أو الاسمية مع الجائحة. شهد أغلب الناس في العالم تآكلا في دخولهم. والدخل الحقيقي بلغة مبسطة إلى حد التساهل يعني الدخل الاسمي مطروحا منه تأثير التضخم. مثال: لو افترضنا أن زيدا من الناس قد زاد دخله 10 في المائة، وفي الوقت نفسه كان معدل التضخم 20 في المائة، فإن دخله الحقيقي أو قدرته الشرائية قد انخفض بما يقارب 10 في المائة.
نعرف أن العالم يعاني حاليا موجة تضخم قوية. وشهد التضخم في السكن والعقار خاصة ارتفاعا حادا على المستوى العالمي. وكتب عن هذا كثيرون. لكن دخول أغلب الناس لم ترتفع بمعدلات تزيد أو حتى تقارب معدلات التضخم. لكن من المتوقع انخفاض حدة موجات التضخم مع الوقت. لكن تحقق هذا الانخفاض له ثمن باهظ. والنقاشات كثيرة حول الموضوع.
خلاف مشكلة السكن يعاني كثير من الناس تصرفات إنفاق واستهلاك لا يعد كثير منها رشيدا.
المطلوب عدم المبالغة. أمرنا - سبحانه - بالاعتدال في الإنفاق والاستهلاك. قال سبحانه «وَلا تُسْرِفُوا إِنهُ لا يُحِب الْمُسْرِفِينَ»، وقال: «وَلا تُبَذرْ تَبْذِيرا»، وقال: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَة إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُل الْبَسْطِ». وبعض الناس يصرفون كثيرا من الأموال على التباهي، ومحاكاة الأغنياء، وهو ما قد يجلب عليهم الديون.
كيف تعرف أنك تبالغ في الإنفاق؟ إحدى الطرق أن تبحث في حجراتك وخزائن ملابسك. كم من الأشياء التي لم تستخدمها على مدى عام؟ ما الأشياء التي لم تستخدمها على مدى أعوام؟ بل على مدى عام واحد؟
وجود هذه الأشياء علامة على أنك تبالغ في الإنفاق. يعني أنك تشتري ما لا تحتاج إليه. حاول التخلص من هذه العادة. عود نفسك على القناعة.
راقب أكياس الزبالة. كم فيها من أشياء ما كان ينبغي لها أن ترمى؟ هذه أموال مهدرة.
حاول أن تدفع نقدا وليس بالدين، محاولتك أن تجبر نفسك على ألا تشتري بالدين تجعلك تفكر أكثر وأعمق عند الشراء، وستصبح أكثر تفكيرا ورشادا في عاداتك في الشراء. بعض الناس غارقون في الديون، ورغم ذلك يستمرون في الاستدانة للمباهاة وزيادة الاستهلاك.
تعود على نمط وأسلوب حياة أقل تكلفة. إياك والمقارنات بينك وآخرين يختلفون عنك ظروفا. عن نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم».
في تأثير الأزمات:
أكدت عدة بحوث ومناقشات في أماكن كثيرة من العالم أن الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، ثم كارثة كورونا، كلتاهما أبرزتا ضعف البنى الاجتماعية والطبقية في مجتمعات العالم.
في الدول الخليجية من الملاحظ أن الأرصدة المالية التي تكونت لدى الأفراد والعائلات في فترات الازدهار الاقتصادي توجهت إلى قطاعات الاستثمارات في الأسهم والإنشاء والتعمير وأحدثت دفعة قوية، وذلك ما أدى إلى صعود قيمة الأسهم والإيجارات والأراضي بصورة قد يرى أنها مبالغ فيها. تضرر بعض واستفاد بعض. من المستفيدين توسع عدد نوعين من المنتمين للطبقة الوسطى: الذين يمتلكون والذين لا يمتلكون أصولا عالية القيمة بسبب ارتفاع الأسعار كثيرا.
ما تأثير التوطين في الطبقة الوسطى وإنعاش القطاع الخاص؟
تعمل سياسات وقرارات التوطين على وجود علاقة طردية بين التوطين والنمو الاقتصادي. وتبعا، تزيد أهمية الطبقة الوسطى في القطاع الخاص. انتعاش القطاع الخاص يعني صعود مزيد من أصحاب المهن الحرة والأعمال في مستويات دخولهم ليصبحوا جزءا من الطبقة الوسطى أو ربما أعلى من ذلك. ومن جهة أخرى، تحسن وضع الطبقة الوسطى سيسهم في إنعاش القطاع الخاص. كيف؟ إنفاقهم يشكل طلبا قويا على خدمات وسلع أصحاب الأعمال والمهن الحرة.
إنشرها