Author

الضمائر في اللغة العربية ومسارات الواقع الجديد

|
أستاذ جامعي ـ السويد
في الأسبوع الفائت تحدثنا عن المعضلة التي يعانيها الناطقون والكتاب باللغة الإنجليزية في انتقاء الضمير الموائم للإشارة إلى المذكر أو المؤنث.
والمعضلة تكمن في نظام الضمائر وتطبيقاتها الحالية في اللغة الإنجليزية التي لم تعد تعكس الواقع الاجتماعي الجديد ومتطلباته في التعامل مع الميول التي عليها الناس في الدول الناطقة بهذه اللغة.
والمعضلة باللغة الإنجليزية تفاقمت أخيرا إلى درجة اعتماد عديد من أساتذة الجامعات في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى نظاما جديدا يضيف بعدا جديدا للضمائر والأسماء التي تشير إليها من حيث الجناس والعائدية.
وكان آخرها مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" الواسعة الانتشار يشرح فيه أستاذ جامعي المعضلة هذه والحلول التي توصل إليها لتفادي ما قد يحدثه استخدام ضمير أو لقب للمخاطبة في غير محله.
وكان المقال يتحدث عن الواقع الاجتماعي الجديد في الغرب من حيث الجناس والميول المختلفة للناس، والابتكارات اللغوية في الإنجليزية التي ابتدعها وصاغها علماء اللغة والمعاجم لمرافقة التغيرات الحاصلة في واقعنا الاجتماعي المعاصر وعلى الخصوص في مضمار التذكير والتأنيث.
والإنجليزية مقلة في التأنيث والتذكير من حيث الضمائر والأسماء. هناك ضميران رئيسان للتأنيث في الإنجليزية، أما الأسماء، فعدا حالات محددة على عدد أصابع اليد، فإنها محايدة.
وفي الواقع الاجتماعي الجديد يتشبث الناس بميولهم، وهناك قوانين وتشريعات تمنحهم الحق في ذلك، ما فرض واقعا جديدا في اللغة الإنجليزية فيه اكتسبت الضمائر أبعادا جديدة وصارت لأسماء الجنس، التي لا تختص بواحد دون آخر من المذكر أو المؤنث، استخدامات لم تكن متوافرة في السابق من حيث الإشارة الجنسانية.
واليوم يحتاط المثقفون الناطقون بالإنجليزية كثيرا في استخدام الضمائر وأسماء الجنس في غير محلها، ليس من حيث النحو والصرف التقليدي، بل من حيث مراعاة مشاعر وميول الناس.
وفي الإنجليزية يستحسن، لا بل إن الواقع صار يفرض ذلك، اللجوء إلى القاعدة الافتراضية السائدة والدارجة رغم عدم توافر تشريع أو غياب سابقة يمكن الاستناد إليها في اتخاذ إجراء محدد.
بمعنى آخر إن كان ضمير الغائب المؤنث باللغة الإنجليزية لم يعد مستساغا للإشارة إلى المؤنث كما كان الحال سابقا، فإن القاعدة الافتراضية تسمح لي باللجوء إلى حلول أخرى ريثما تستقر الأمور.
والقاعدة الافتراضية ترجمة للمصطلح الإنجليزي default rule وشخصيا أستند إليها في الصف للإشارة والمخاطبة وكذلك لجذب انتباه الطلبة والمشاركة في الحديث والنقاش.
وفي الحقيقة، إنني غالبا ما ألوذ بهذه القاعدة عند وجودي في جامعة عربية للتدريس أو إلقاء محاضرات، ولذلك وقع طيب لدى الطلبة.
فبدلا من تكرار اللازمة "هل لديكم سؤال؟" التي أظن أنه يستخدمها أغلب المعلمين، أغير الصيغة على عقب وأقول: "من ليس لديه سؤال، ليرفع يده". أو بدلا من إثارة "هل لديكم سؤال؟" مع نهاية الصف، والتلاميذ متعبون وأنظارهم صوب الباب للخروج، أحيانا أبدأ الدرس بها.
والأمر لا يقتصر على الضمائر عند الحديث عن تأثير التحولات الاجتماعية في عصرنا هذا على اللغة وكيف أن اللغة بصورة عامة من السعة بمكان لإيواء طرائق شتى لم تكن ضمن ما تحفظه من مخزون المفردات والمصطلحات.
هنا أشير إلى صيغتين لمخاطبة المؤنث بالإنجليزية وهما: Mrs. and Ms. حيث صار من اللياقة اليوم أن نسأل أي من الصيغتين أكثر مواءمة قبل استخدام أي منهما. وبالمناسبة، ظهرت صيغ أخرى لمخاطبة المؤنث بالإنجليزية لن أدخل في تفاصيلها لضيق المساحة، ولكن قد نعرج عليها مستقبلا.
وهناك أيضا مسألة الرموز التعبيرية التي صارت جزءا حيويا من الرسائل التي يتبادلها الناس من خلال أجهزتهم الخوارزمية (الذكية). وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الرموز، كما أشرنا في مقال سابق، تعكس الواقع الاجتماعي الغربي رغم انتشارها بمعانيها الأصلية في ثقافات ولغات أخرى كما هو الشأن في العربية والثقافة العربية والإسلامية.
ما أصبو إليه من هذا السرد المقتضب جدا هو دق ناقوس الإنذار للمعنيين بشؤون لسان الضاد أن هناك حاليا حلولا وصيغا واستنباطات عديدة ومختلفة وغير علمية أغلبها ترديد معاكس لما يقع من تغيير لغوي في الإنجليزية لمراعاة الواقع الاجتماعي الخاص للناطقين بهذه اللغة. وهذا مؤشر قد يؤدي إلى فوضى لغوية للهاث البعض في مجاراتهم لما يحدث للغة الإنجليزية.
العربية والإنجليزية لغتان مختلفتان من حيث النبع والثقافة والمحيط وسياق النشأة والتطور. من هنا الحذر واجب، والدراسة والتمحيص والبحث العلمي تصبح حاجة ملحة لتداول شؤون لغوية حساسة مثل هذه.
ولدي أمثلة كثيرة لا يتسع المجال لسردها، ولكن عند دراستها ألحظ فوضى لغوية لا ترقى إلى مكانة اللغة العربية وسموها لدى الناطقين بها.
لقد آن الأوان لمجامع اللغة العربية النظر في الموضوع بجدية من خلال الاستناد إلى معجم موحد يلجأ إليه المختصون والمثقفون والمعلمون والتلاميذ والمدارس والجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي، لا بل الناس بصورة عامة عند البحث عن الصيغ الموائمة للتعبير عما نلاحظه من تغييرات كبيرة في واقعنا المعاصر.
إنشرها