بعد 16 عاما في الحكم .. ميركل مديرة الأزمات الاقتصادية على وشك المغادرة
إذا كانت هناك سمة مشتركة تميز حقبة أنجيلا ميركل كمستشارة لألمانيا، فهي الأزمات التي أدارتها خلال قيادتها للبلاد على مدار ما يقرب من 16 عاما في المنصب.
وقالت ميركل أخيرا ببراجماتيتها المعتادة، "الحياة دون أزمات ستكون أبسط، لكن عندما تظهر، لا بد من التغلب عليها"، مضيفة أن هذه الأزمات - التي يأتي كثير منها من الخارج - تظهر أن الألمان جزء من كلية عالمية".
أول نوع من هذه "الكلية" حل بعد تولي ميركل منصبها في عام 2005 في صورة الأزمة المالية والمصرفية العالمية في خريف عام 2008، التي كادت أن تعصف بمصرف "هيبو ريال ستيت" للتمويل العقاري في ألمانيا.
وقامت ميركل ووزير المالية آنذاك بير شتاينبروك بعمل ثنائي رائع أمام الكاميرات لتهدئة المستثمرين الألمان. وقالت أمام الصحافيين وهي ترتدي بدلة رمادية داكنة ويديها تلامسان بعضها بعضا على شكل جوهرة ماسية، وهي حركة اعتادت الظهور بها في الفعاليات العلنية، "نقول للمودعين إن ودائعهم آمنة".
وأكد شتاينبروك على تصريحات ميركل قائلا إن هذه التأكيدات إشارة مهمة لتجنب ردود فعل قد تزيد من صعوبة التغلب على الأزمة".
كلماتهما المختارة بعناية كانت فعالة، حيث لم يتحقق الانهيار المصرفي المتوقع، وتم لاحقا تأميم "هيبو ريال ستيت"، كما تدخلت الدولة لدعم بنوك أخرى، مثل "كومرتس بنك"، بمليارات اليورو من الأموال العامة.
ومن هذه الأزمة انتقلت ألمانيا مباشرة إلى أزمة اليورو، حيث واجهت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي - واليونان على وجه الخصوص - الإفلاس بسبب الديون الوطنية المرتفعة، وكان وجود اليورو ذاته على حافة الهاوية.
وقالت حكومة ميركل في ذلك الحين، "إذا فشل اليورو، ستفشل أوروبا، ولا يمكن السماح بحدوث ذلك"، بينما أكدت المستشارة، أن ألمانيا مستعدة لتقديم المساعدة، لكن "الشروط الصارمة" التي فرضتها المستشارة على تلك المساعدات حولتها إلى شخصية مكروهة، ولا سيما في اليونان. ومع ذلك، فإن تجنب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد الألماني وحماية اليورو أكدت أن محرك الاقتصاد الأوروبي بقي سالما.
وبالمثل تعاملت ألمانيا تحت قيادة ميركل مع جائحة كورونا بحزم صارم. وقالت في خطاب تلفزيوني نادر في آذار (مارس) 2020 "هذا أمر خطير، خذوا الأمر على محمل الجد".
وحثت المستشارة على اتباع نهج حذر، وضغطت مرارا من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة رغم معارضة بعض قادة الولايات الألمانية الـ16، وتم توضيح حدود سلطتها في النظام الفيدرالي المعمول به في ألمانيا، حيث رفض رؤساء حكومات ولايات في بعض الأحيان اتباع سياستها بحذافيرها في هذا الشأن.
وأظهرت ميركل نفوذها الأوروبي عبر دفعها لإقرار صندوق الاتحاد الأوروبي للإنعاش الاقتصادي بقيمة 750 مليار يورو (880 مليار دولار) بدعم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويقول جون كامبفنر الصحافي والكاتب البريطاني الشهير إن التغلب على هذه الأزمات يعني أن ميركل أصبحت تجسد "رغبة ألمانيا العميقة في الاستقرار".
لكن هذا التحليل لا يزال بعيدا عن الصورة الكاملة، فعلى مدار عقد ونصف العقد اختارت ميركل أيضا إنهاء الاستقرار، وكان ذلك على حسابها الخاص في كثير من الأحيان.
لكن من بين جميع الأزمات التي واجهتها ميركل، تعد أزمة الهجرة في 2015 - 2016 انعكاسا لإرثها السياسي الأكثر تعقيدا واستمرارية في ألمانيا.
ومن بين جميع التصريحات التي أدلت بها ميركل كمستشارة، لم يكن لأي منها مثل هذا الصدى الذي خلفته كلماتها لأعوام عندما قالت في 31 آب (أغسطس) 2015 "لقد نجحنا في كثير من الأمور، وسننجح في هذا"، وذلك حينما كان العدد الهائل من اللاجئين الذين يحاولون الفرار من الشرق الأوسط للوصول إلى شمال أوروبا غير واضح بعد.
ولا تزال ميركل، التي تبلغ من العمر 67 عاما، مشهورة بالتجهيز الدقيق قبل الاجتماعات، ومعالجة المشكلات بالطرق العلمية التي اكتسبتها خلال حصولها على درجة الدكتوراه في الفيزياء في ألمانيا الشرقية في سبعينيات القرن الماضي.
وبينما تصدرت ميركل قائمة مجلة "فوربس" لأقوى نساء العالم عشر مرات على التوالي، حرصت المستشارة على أن تبقى حياتها الخاصة بعيدة عن الأضواء.
وتظهر ميركل في صور عطلاتها المنعزلة وهي تتجول في جزيرة إيشيا في خليج نابولي أو تتنزه مع زوجها يواخيم زاور في منطقة جنوب تيرول، شمال شرقي إيطاليا. وتكشف زياراتها السنوية إلى مدينة بايرويت الألمانية عن حبها للأوبرا، ولا سيما أعمال ريشارد فاجنر.
ورغم عدم مشاركتها في الانتخابات المقررة اليوم، ستظل ميركل في السلطة لحين تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا، وهي فترة لن تقل عن أسابيع إن لم تكن شهورا.
أما بالنسبة لخططها بعد ذلك، فلم تصرح عنها بشيء سوى أنها لن تعود إلى هامبورج، مسقط رأسها، وقالت، "سيأتي وقت للنظر في هذا الأمر".