Author

الاستثمارات الذكية .. اقتصاد اليوم والغد

|

لم يعد الذكاء الاصطناعي منذ أعوام قطاعا ناشئا، وذلك بالنظر إلى حضوره في ميادين صناعية كثيرة، مثل السيارات، والإلكترونيات، والمعدات الدقيقة، وغيرها من القطاعات، فالاستثمارات في هذا الشأن ترتفع عاما بعد عام، ولا سيما في الدول الصناعية وعدد من الدول الناشئة وفي مقدمتها الصين، وإذا ما استمرت وتيرة الاهتمام والاستثمار في هذا القطاع فسيكون له الدور الريادي على مختلف الأصعدة في المستقبل.
كل المؤشرات تدل على أنه بات جزءا أصيلا من الحراك التنموي الاقتصادي وداعما للحركة التجارية، خصوصا مع العوائد التي جلبها على هذه الساحة أو تلك. كما أن الذكاء الاصطناعي صار في الواقع مجالا للتنافس بين الدول المتقدمة وتم ربطه بمدى التطور التقني. ورغم بعض الجوانب السلبية له، ولا سيما على صعيد التقليل من حجم العمالة، إلا أن مزاياه الأخرى تفوق هذه السلبيات.
تؤكد الجهات المختصة أن نمو صناعة الذكاء الاصطناعي ترتفع بصورة كبيرة كل عام، ووفق الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، فإن حجم هذه الصناعة ارتفع عالميا على أساس سنوي بنسبة 12 في المائة، ليصل إلى 156.5 مليار دولار السنة الماضية. في حين تشير الأكاديمية نفسها إلى نمو هذه الصناعة في الصين بمعدل 15 في المائة، بحجم بلغ 43.4 مليار دولار العام الماضي. وبالنظر في كل الساحات، تجد الذكاء الاصطناعي حاضرا في معظم المجالات تقريبا، من التسوق إلى اختيار السلع الأكثر ملاءمة، وشراء الكتب وبطاقات السفر، وحتى تحديد ما إذا كانت طلبات التوظيف التي يتقدم بها الشخص قد لاقت النجاح أم لا، بل وحسم موضوعات مثل استحقاق الفرد لقرض مصرفي من عدمه، وطبيعة العلاج الذي يحتاج إليه هذا الشخص أو ذاك.
أمام انتشار الخدمات والمنتجات عبر آليات الذكاء الاصطناعي، نشأت كما هو معروف مئات الشركات الكبرى التي توفر خدماتها عبر هذا الممر المتطور والسهل، وعلى رأسها "أمازون" و"مايكروسوفت" و"فيسبوك" وغيرها، فالبرمجيات المعقدة التي تشهد تطورا دائما، وفرت كل الخدمات المطلوبة هذه، فضلا عن قيام شركات صناعية في معظم الدول بإحلال أدوات الذكاء الاصطناعي في خطوط إنتاجها، والتخلص من العامل البشري، أو التقليل من حضوره في عمليات الإنتاج.
هذه التحولات، دفعت الأمم المتحدة لأن تدخل إلى الساحة عبر حوار عالمي صار ضروريا، من أجل الاستفادة من قطاع الذكاء الاصطناعي في ميادين كثيرة، من بينها مكافحة الجوع أو التخفيف من حدة أزمة المناخ، أو تيسير الانتقال إلى المدن الذكية المستدامة، وغير ذلك من مجالات التنمية. وبالفعل عقدت سلسلة مؤتمرات تحت عنوان "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق المصلحة العامة".
هذا الميدان ينمو ويتطور بوتيرة سريعة، فالذكاء الاصطناعي يعمل بالفعل على تغيير سلاسل التوريد العالمية، وأنماط التجارة الدولية. ولأن الأمر كذلك، فإن منظمة التجارة العالمية، وكذلك اتفاقيات التجارة الحرة، سيكون لها الدور المحوري في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي بما يخدم بالفعل المصلحة البشرية العامة، بصرف النظر عن بعض السلبيات.
ومن هنا، ستشهد الساحة الدولية تفاوتا في اعتماد هذه الصناعة التي تحتاج في النهاية إلى استثمارات كبيرة، وبنى تحتية ليست متوافرة في معظم الدول الناشئة، إضافة إلى الدول الفقيرة، فضلا عن عمليات تدريب، وتأهيل متطورة لسوق العمل. ولذلك فإن الاقتصاد العالمي، لا يزال بالرغم من الاندفاع نحو الذكاء الاصطناعي، في المرحلة الأولى في ساحة يبدو واضحا أنها تتوسع يوما بعد يوم، وينمو الطلب عليها بكثافة، وستعيد تشكيل هيكلة هذا الاقتصاد، بما في ذلك ثقافة العمل ذاتها.

إنشرها