Author

الثقة المطلوبة بين واشنطن وبكين

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"رئيس الصين يعتقد أن بلاده ستتمكن من امتلاك الولايات المتحدة بحلول 2035"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
لم يكن الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ سهلا في التعاطي مع ملف الصين. وهذا ما أشار إليه الرئيس الصيني شي جين بينج؛ في أكثر من مناسبة، معبرا عن خيبة أمله من إدارة الرئيس الديمقراطي التي واصلت في الواقع نهج إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب؛ في هذا المجال، مع التقليل مما يمكن تسميته العنف السياسي مع المسؤولين الصينيين. وهذا يعود أصلا إلى طبيعة بايدن غير الهجومية، فضلا عن قناعته المستمرة بضرورة استخدام الحوار كجزء أساسي لحل أي مشكلات عالقة، ولا سيما على صعيد العلاقات الدولية، مع قناعته الكاملة بأن الحوار الذي يحرص عليه قد لا ينجح في إيجاد الحلول المطلوبة للخلافات الكبيرة والمتعددة مع الصين على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وتلك التي تختص بحقوق الإنسان.
لنترك جانبا الكلام الذي قاله بايدن في احتفال عسكري في ولاية فيرجينيا الأمريكية قبل ثلاثة أشهر، وأشار فيه إلى "اعتقاد الرئيس الصيني بامتلاك أمريكا في عام 2035"، فهو يناقض قناعاته أثناء حملته الانتخابية التي أكد فيها أن "الصين ليست منافسة لنا". وربما كان مبالغا في التصريحين. إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية تحشد بالفعل للوقوف في وجه الصين، عن طريق مخططات مع الحلفاء الغربيين التقليديين لبلاده، الذين يعتقدون أن الصين تمثل بالفعل خطرا مستقبليا إذا ما تركت تمضي في الطريق دون أن تلتزم بالاتفاقيات والمعايير الدولية، وكذلك مصالح الدول الغربية نفسها في هذا العالم. فالاتحاد الأوروبي فرض بالفعل عقوبات على الصين منسقة مع الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، شملت حظر سفر وتجميد أصول كبار المسؤولين في شينجيانج، الذين اتهموا بانتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الإيجور، وبالطبع ردت الصين بعقوبات مماثلة.
لكن المشكلات مع الصين أكبر كثيرا من هذه القضية المشار إليها، كما أنها متعددة، بما فيها أزمة منشأ فيروس كوفيد - 19 التي أضافت مزيدا من التعقيدات لمجمل العلاقات بين الطرفين. إلا أن المخطط الأمريكي يبقى واضحا، وهو يستند إلى ضرورة تعاون الصين مع الغرب تحديدا، من أجل علاقات تصب في النهاية في المصلحة الدولية، في كل المجالات، بما فيها تلك التي تختص ببعض الشؤون الداخلية الصينية، مثل مسألة هونج كونج وتايوان وحقوق الإنسان وغيرها. فضلا عن التزامها بالقواعد التجارية المعمول بها عالميا. وإذا لم يحدث ذلك، واستمرت بكين في سياستها الحالية، فإن المخطط الأمريكي سيمضي قدما في تعزيز الجبهة الغربية ضد الصين، بما في ذلك الجانب المتعلق بالانتشار العسكري الصيني في المحيطين الهندي والهادي.
أعاد الرئيس الأمريكي الزخم للحوار مع الحكومة الصينية، من خلال اتصال مطول أجراه قبل أيام مع نظيره الصيني بينج؛ دام 90 دقيقة. لكن هذا الاتصال المهم لم يسفر عن نتائج عملية، أو لنقل لم يحقق أهدافا محددة، كما أنه لم يخرج بجدول زمني لأي مشاورات أو حوارات مقبلة. والنقطة الأبرز، أن بايدن شدد على موقفه الواضح وهو ضمان عدم تحول المنافسة بين الدولتين إلى صراع. والحق أن مثل هذا الصراع، سينال أيضا من الاستقرار العالمي على مختلف الأصعدة، إذا ما انفجر بالفعل. إلا أن السؤال الأهم في كل ما يطرح حاليا على صعيد العلاقات بين واشنطن وبكين، يبقى على الشكل التالي: ما حجم الثقة بينهما؟ لا تزال هذه الثقة مفقودة، ما يبرر تصريحات رسمية أمريكية أشارت إلى أن "التجربة ستثبت ما إذا كان من الممكن كسر جمود العلاقات".
الاتهامات المتبادلة بين أكبر اقتصادين في العالم لا تزال قائمة، ولن تزول في وقت قريب، ولا سيما في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما. ولذلك تعد الحكومة الصينية، أن السياسة الأمريكية تجاه الصين تضع صعوبات حقيقية أمام العلاقات. ولذلك فإن الإبقاء على الاتصالات بينهما، هو في حد ذاته خطوة إلى الأمام، بعد أن كانت شبه مقطوعة في العام الأخير من ولاية دونالد ترمب، وكانت عاصفة طوال فترة رئاسته. لكن هذا لن يوقف الرئيس بايدن لتمكين التحالف الذي يعززه منذ وصوله إلى البيت الأبيض مع حلفاء الغربيين، ولا سيما الأوروبيين. فالمصالح المشتركة تدفع هؤلاء إلى أي تحالف يضع حدودا للتمدد الصيني، فضلا عن أن الرئيس الأمريكي الحالي يختلف تماما عن سلفه. فهو يؤمن بشدة بسياسة التحالفات التي قضى ترمب عليها بالفعل.
ولا شك أن القمة المقبلة في تشرين الأول (أكتوبر) لـ "مجموعة العشرين"، ستكون ميدانا مثاليا لاختبار أي تقدم في العلاقات بين بكين وواشنطن، بل لنقل: لاختبار متانة الساحة لانطلاق التفاهمات المطلوبة. إلا أن المؤشرات لا تحمل معها إشارات متفائلة، خصوصا في ظل تمسك الصين بمواقفها وسياساتها المحلية والإقليمية والدولية، وفي ظل تمسك إدارة بايدن بضرورة التغيير الصيني الحقيقي. دون أن ننسى أن بكين تضغط اليوم أكثر من أي وقت مضى من أجل تفعيل أكبر لمجموعة "البريكس" BRICS التي تضم البرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، إضافة إلى الصين، وهي قوة مساندة قد تجعل مواقف بكين أكثر تشددا.
إنشرها