تقارير و تحليلات

المؤثرون في مواقع التواصل .. ظاهرة تسويقية بلا تنظيم ولا مصداقية

المؤثرون في مواقع التواصل .. ظاهرة تسويقية بلا تنظيم ولا مصداقية

المؤثرون في مواقع التواصل .. ظاهرة تسويقية بلا تنظيم ولا مصداقية

عملية دمج التسويق المؤثر ضمن خطة التسويق العامة تمثل تحديا حقيقيا لمعظم الشركات.

يتغير مجال الإعلام والإعلان بمعدلات سريعة وتتغير معه طرق الترويج بالسرعة ذاتها، وما كان يصلح منها قبل أعوام معدودة لم يعد يعمل الآن. بالتأكيد التسويق ليس مفهوما جديدا على الإطلاق، ولأعوام طوال كان المشاهير يؤثرون في المستهلكين، وكان منتجو السلع المختلفة يلجأون لنجوم المجتمع لتسويق علاماتهم التجارية عبر أفراد مؤثرين مختارين بعناية للترويج لهذا المنتج أو تلك السلعة.
الآن يمكننا القول أن الوضع يتغير وبشكل جذري، فمع اتساع نطاق استخدام الإنترنت في الحياة اليومية، وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على المشهد، نما ما يعرف بظاهرة "المؤثرين" بحيث لم يعد الأمر يتمثل في استخدام أشخاص مشهورين ونجوم للمجتمع أو حتى نجوم دوليين مثل لاعبي كرة القدم أو نجوم السينما للترويج لسلعة أو خدمة ما، وإنما بات هؤلاء المؤثرون يشكلون ظاهرة اقتصادية بحد ذاتها، بحيث نمت القيمة الإجمالية للتسويق عبرهم من 1.7 مليار دولار 2016 إلى نحو عشرة مليارات دولار العام الماضي، وسط توقعات بأن تبلغ هذا العام 13.8 مليار دولار.
ولكن أولا وقبل المضي قدما في بحث التأثير الاقتصادي للمؤثرين ماذا تعني كلمة المؤثر؟ تقول الدكتورة مارجريت مارتين أستاذة التسويق في جامعة ليدز لـ"الاقتصادية"، "لغويا تعني كلمة مؤثر شخص أو شيء يؤثر في شخص آخر، أما في مجال التسويق فإننا نطلقها على شخص لديه القدرة على التأثير في المشترين المحتملين لمنتج أو خدمة من خلال الترويج للعناصر أو التوصية بها على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يضيف المؤثر مصداقية جادة لعلامتك التجارية".
وتضيف "يعتقد الآن أن المحتوى، الذي يتمتع بعلامة تجارية ويروج المؤثرون له يتمتع باتصال مباشر وحقيقي وعضوي مع المستهلكين المحتملين، بشكل يفوق الإعلانات، التي تنتجها العلامة التجارية وتبثها عبر الراديو أو التلفزيون أو تنشرها في الصحف، فالمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي هم مستخدمو الإنترنت، الذين لديهم كثير من المشتركين عبر الشبكات الاجتماعية المختلفة، الذين لديهم تأثير كبير في متابعيهم، هؤلاء لا يروجون بالضرورة لعلامة تجارية فهم في حد ذاتهم علامة تجارية، وهذا هو الفارق بينهم وبين النماذج السابقة من التسويق، التي كانت تعتمد على أشخاص مشاهير للترويج لعلامة تجارية".
وفقا لهذا التعريف يمكننا القول بأنه يوجد كثير من المؤثرين وكثير من المنصات الاجتماعية، وبين الطرفين ما يشبه العلاقة التكافلية والمربحة في ذات الوقت، وهذا ما يجعل التسويق كمفهوم اقتصادي يبدو حاليا مختلفا تماما عما كان عليه قبل عقد من الزمان.
فمع عشرينيات القرن الـ21 يظهر ما يمكن أن نطلق عليه "اقتصاد المؤثرين"، الذين يجنون الأموال من خلال البيع المباشر والاشتراكات للمتابعين، ما يجعلهم إلى حد كبير عنصر ضغط على العلامات التجارية الشهيرة، سواء كانت في سوق السيارات أو الأحذية والحقائب أو أدوات التجميل، ومع تنامي قدرة المؤثرين على البيع المباشر عبر المنصات الاجتماعية، سواء منتجاتهم الخاصة أو منتجات العلامات التجارية المفضلة لديهم، فإنهم باتوا يمثلون مركز جذب للعلامات التجارية المختلفة للترويج لمنتجاتها عبرهم. ومع هذا يشير بعض الخبراء في مجال التسويق إلى أن هناك تحديات قوية تواجه تسويق المؤثرين، وربما تضع شكوكا حول قدرتهم التسويقية الحقيقية.
ويقول الدكتور نايثن ماك سميث، رئيس قسم التسويق في جامعة لندن لـ"الاقتصادية"، "صناعة التسويق عبر المؤثرين غير منظمة، وهذا ينجم عنه كثير من التحديات، كما لا يوجد تحكم في مقدار تأثير المؤثرين، والمبالغ المالية، التي يجب أن تدفع لهم، ولا توجد وسيلة قاطعة للتحقق من مصداقية ودقة البيانات التي يقدمونها، ولا يمكن للعلامات التجارية الحصول على ضمان بأن تعاونا معينا معهم سيكون ناجحا".
وأكد أن من أهم المشكلات المرتبطة بالتسوق المؤثر كيفية تحديد المؤثرين المناسبين، فالروبوتات الاجتماعية وشراء المتابعين المزيفين ينجم عنه عدم الثقة، ليس فقط بين المؤثر والمستهلك، ولكن الأكثر خطورة بين المستهلك والعلامة التجارية، التي يروج لها المؤثر، تلك الملاحظات السلبية تفتح الباب على مصراعيه للتساؤل هل التسويق المؤثر أكثر فاعلية من أشكال التسويق التقليدي؟
ويشير عديد من الدراسات إلى تنامي أعداد الشركات، التي تلجأ إلى التسويق المؤثر، فنحو 63 في المائة من الشركات الكبرى تعتزم زيادة ميزانية التسويق المؤثر هذا العام، كما أن الميزانيات، التي تخصصها الشركات الكبرى للتسويق المؤثر في تنام مع استمرار وتصاعد شعبية وسائل التواصل الاجتماعي، وتقدر النسبة المخصصة للتسويق المؤثر من إجمالي ميزانية التسويق في الوقت الحالي بنحو 12 في المائة، ما يعني ثقة الشركات الكبرى في نجاعة هذا النمط التسويقي رغم ما يحيط به من ملاحظات.
بدوره، أوضح سكوت ريدلي أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة جلاسكو أن التسويق المؤثر يحقق في كثير من الأحيان نجاحا يفوق الأنماط التقليدية للتسويق وتحديدا الإعلانات مدفوعة الأجر، وذلك لأن العملاء يعرفون أن الإعلان التلفزيوني على سبيل المثال عبارة عن مادة إعلانية مدفوعة الثمن، بينما التسويق المؤثر، فإنه يستفيد من العلاقات القائمة بالفعل والمصداقية بين المؤثرين في المنصات الاجتماعية ومتابعيهم، أما الإعلانات المصورة فلا يمكن أن تحدث هذا التأثير.
مع هذا يشير لـ"الاقتصادية" إلى أن عملية دمج التسويق المؤثر ضمن خطة التسويق العامة للشركة تمثل تحديا حقيقيا لمعظم الشركات، وأحيانا تكون السبب الرئيس في عدم نجاح الجهود التسويقية في هذا النطاق، فيجب أن تتمتع العلامة التجارية بفهم كامل لجمهورها المستهدف، فالهدف المحدد بوضوح يتطلب اختيار مؤثرين محددين بصفتهم أفضل الخيارات وأكثرها ملاءمة للمشاركة في استراتيجية الترويج للعلامات التجارية.
ويظل السؤال الرئيس والحكم في التسويق المؤثر مرتبط بالعائد المتحقق من هذا النوع من أنواع التسويق، إذ تشير الدراسات إلى أنه عندما يتم إجراء التسويق عبر المؤثرين بشكل جيد، فإنه يمكن للعلامة التجارية تحقيق عائد استثمار يبلغ 5.20 دولار لكل دولار يتم إنفاقه، ويشير الخبراء إلى أن هذا العائد سيرتفع وقد يصل إلى 11 دولارا لكل دولار عند اتساع نطاق التسويق المؤثر.
وحول هذا الجانب تشير الدكتورة مارجريت مارتين في تصريحات لـ"الاقتصادية" إلى أن الأرباح الناجمة عن تسويق المؤثر تختلف باختلاف الصناعات وأرقام المشاركة، إذ تصل أرباح بعض المؤثرين إلى 250 ألف دولار لكل منشور يقومون برعايته.
وتستدرك قائلة "يعتقد أغلب المسوقين أن التسويق المؤثر يجذب عملاء ذوي جودة أعلى لأعمالهم، وربما يعود ذلك إلى أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يميلون إلى أن يكونوا أكثر ثراء وأكثر استعدادا للتوصية بمنتجات معينة للعائلة والأصدقاء، وجودة العملاء المكتسبة من خلال التسويق المؤثر توفر عائدا استثماريا قويا، إذ إن 70 في المائة من الشركات تربح دولارين أو أكثر على كل دولار ينفق على التسويق المؤثر و12 في المائة من الشركات تربح 20 دولارا أو أكثر، وتحصل معظم الشركات على نتائج قوية من التسويق المؤثر، بينما تفشل 18 في المائة من الشركات في تحقيق إيرادات حقيقية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات