هل تصدق البائع؟
شاهدت مقطعا لمسلسل قديم فيما يبدو يظهر فيه الممثل الشهير راشد الشمراني؛ وهو يسأل عن دواء في الصيدلية، فيجيبه الصيدلي بأن الدواء المطلوب غير موجود، لكن هناك مثيلا له أو أفضل وطبعا بسعر أغلى كثيرا. عند خروج راشد من الصيدلية "يسولف" الصيدلي مع صديق له مخبرا بأن الدواء موجود لديه لكن العمولة في الدواء البديل الآخر مغرية.
ربما يكون هذا قد حدث مع أحد منكم غير مرة، وفي الأغلب يكون الدواء البديل "الأغلى" موجودا على أقرب رف بجوار الصيدلي، والإخوة الصيادلة الأكثر غضبا حينما يقال، إن كثيرا منهم تحولوا إلى بائعين أكثر منهم صيادلة. بدأت بالدواء لأهميته وأعيد السؤال، هل ما زلت تثق بالبائع فتحوله بعفوية إلى مستشار مؤتمن، وتسأله السؤال المكرر "وش أحسن"؟ لنأخذ مثلا آخر في سلع تحتاج إلى متخصص، مثل الهاتف الجوال والكمبيوتر، بمواصفاتهما المعقدة ومصطلحاتهما غير المفهومة أو المحفوظة لكثير منا.
والمشكلة أن البائع ليس شخصا محايدا، بل صاحب مصلحة وتزداد المصلحة مع زيادة العمولة عند توجيهه بتصريف سلعة معينة، وفوق هذا هو مدرب على جذب العميل وإغرائه بذكر الإيجابيات والتغاضي عن سلبيات السلعة مقارنة بسلع أخرى مشابهة وبسعر مقارب وربما أقل.
ومع كثرة العروض والإعلانات التي تتقافز مع لمسة جهاز إلكتروني يمكن صيد المستهلك بسهولة، وهو قبل الدفع مرحب به، وبعد الدفع يتحول إلى عبء ثقيل مطلوب تصريفه. لكن ما الحل؟ لا شك أن التوعية لها أهميتها، لكن من الصعب على الناس معرفة كثير من التفاصيل وهي خارج تخصصاتهم وعلمهم، لهذا يلجأ الأغلبية بعد توافر سهولة البحث الافتراضي إلى النصح من مجرب، وتحول "يوتيوب" إلى أكبر "عيادة" يختلط فيها الصادق بالمسوق، وعلى محرك البحث جوجل في خانة موقع المنشأة يتصفح المستهلك رأي من سبقه في التعامل مع تلك المنشأة، وهي صفحات أيضا تخضع إلى التدليس، وأحيانا إلى آراء كيدية من منافسين مثلما تحفل بمديح من موظفين في المنشأة نفسها، لكنها تعطي انطباعا عاما.
الذي باعك لأعوام طويلة "شبيه الجبنة" على أنه "جبنة" مستعد لمواصلة الاستغفال كلما وجد سبيلا إلى ذلك، لذا يبقى وعي المستهلك مهما في عدم تسليم رقبته للبائع، وكأنه أخوه الذي لم تلده أمه، وأجد أن هناك مساحة كبيرة للعمل على إنصاف الزبون والحد من استغلال عدم علمه ولا أقول جهله، وهي مساحة يفترض أن تملأها جهات حماية المستهلك قبل الشراء وليس بعده.