Author

الفجوة الرقمية تحد عالمي

|

* أستاذ هندسة الاتصالات المشارك

عندما ألقت جائحة كوفيد - 19 بظلالها على العالم أحدثت إرباكا للمشهد العالمي على عدة أصعدة، بدءا من الأنظمة الصحية، وسلاسل الإمداد والتموين، إلى الحركة التعليمية، وليس انتهاء باضطراب قطاع السياحة والسفر. وقد أظهر عدد من الدول مرونة وكفاءة في التعامل مع تداعيات الجائحة، وكان من ضمن الممكنات التي ساعدتها على عبور جسر الأزمة هو نضج بيئتها الرقمية والتقنية، وتوظيفها بكفاءة للتغلب على التحديات التي واجهت القطاعات المتأثرة. وكان من أبرز الشواهد على قصص النجاح التي أثبتها توظيف التقنيات الرقمية هو انتقال العملية التعليمية برمتها إلى التعليم الإلكتروني أو ما يسمى التعليم عن بعد.
ففي ظل جاهزية البنية التحتية وتوافر التقنيات الداعمة وخدمات النطاق العريض، انتقلت المدارس والجامعات على اختلاف برامجها إلى التعليم الافتراضي، متجاوزة بذلك تحديات إقفال المدارس. إلا أن تلك الأزمة ساعدت على تسليط الضوء بشكل أكبر على أحد التحديات التي يواجهها معظم دول العالم والمتمثلة في الفجوة الرقمية Digital Divide.
لكن ما المقصود بالفجوة الرقمية وما تعريفها؟ تعرف الفجوة الرقمية على أنها حجم التفاوت بين أفراد دولة ما على إمكانية الحصول على خدمات ومنتجات الاتصالات وتقنية المعلومات الحديثة، مثل خدمات النطاق العريض أو أجهزة الحاسب الآلي أو الأجهزة المحمولة. أيضا تتداخل المسائل الاجتماعية والتنموية عند تشخيص الهوة الرقمية لتأثرها بعوامل كثيرة من أبرزها، حجم اقتصاد البلد ومستوى دخل الفرد فيه، إلى جانب مسائل التنوع العرقي والمناطقي التي تؤثر في مدى انتشار التقنيات الرقمية بشكل متكافئ.
عادة تعاني الدول النامية فجوة رقمية كبيرة مقارنة بالدول المتقدمة تقنيا واقتصاديا. حيث أظهرت أزمة كورونا أن قطاعا عريضا من الطلاب في دول محدودة الدخل لم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم عن بعد، بسبب افتقارهم لأجهزة حاسب أو لعدم وصول خدمات النطاق العريض إلى منازلهم.
إلى الجانب التعليمي، يمتد أثر الهوة الرقمية والتقنية إلى الاقتصاد بشكل أكبر. ففي الهند على سبيل المثال، يعاني سكان المناطق الريفية إمكانية الحصول على خدمات الإنترنت والبيانات بسرعات عالية نسبيا أو بدرجة موثوقية عالية، كما أن معظم سكان تلك المناطق لا يملكون المقدرة المالية لشراء أجهزة ذكية حديثة عوضا عن أجهزة محمولة. كل تلك العوامل تحد من الاستفادة من التقنيات الرقمية في التجارة أو الزراعة والصيد. ففي دراسة أجريت على صيادي السمك في جنوب الهند، بينت أن امتلاكهم أجهزة ذكية ساعد على تقليل تفاوت الأسعار، والقضاء على كميات السمك المهدرة ما أسهم في زيادة رفاهية المستهلك، وكل ذلك كان بفضل حصول الصيادين وبائعي الجملة على معلومات كأسعار السوق والوقت الأمثل للصيد.
​ولا تزال الدول المتقدمة تخطو خطوات ثابتة باتجاه تقليل الفجوة الرقمية لتطوير اقتصاداتها وزيادة رفاهية شعوبها. وأذكر في هذا الصدد، سعي المملكة الحثيث لتطوير قطاعها التقني والرقمي والعمل على إتاحة الوصول إلى خدماته لسائر فئات المجتمع. ومن أبرز مبادرات المملكة، هو إطلاقها الأربعاء الماضي للحدث التقني الضخم LAUNCH، الذي أعلنت فيه حزمة من المبادرات النوعية يصل عددها إلى 24 مبادرة تتنوع بين برامج تمكين وتأهيل، أو شراكات وتحالفات مع شركات عالمية تقنية، وكذلك إنشاء صناديق استثمارية للاستثمار في الشركات التقنية الناشئة. جميع تلك المبادرات والشراكات تعد إحدى الخطوات الاستراتيجية لتعزيز الاقتصاد الرقمي في المملكة، وتقليص الفجوة الرقمية بين فئات المجتمع.
إنشرها