Author

الملتقيات العلمية ما بعد كورونا

|

* أستاذ هندسة الاتصالات المشارك

في عام 2020، كان من المفترض عقد مؤتمر دولي يختص بأحدث التطورات العلمية والبحثية في مجالات هندسة الاتصالات اللاسلكية، ويجمع الخبراء والباحثين من المختصين لتقديم أوراق عمل مختصة ومناقشتها خلال جلسات ووقائع المؤتمر. وعادة ما يتغير مكان انعقاد المؤتمرات العلمية ذات الطابع الدولي بين عدد من المدن العالمية أو الوجهات السياحية كوسيلة لجذب عدد أكبر من العلماء والباحثين للمشاركة في تلك التجمعات العلمية.
فالمؤتمر الذي حوله مدار حديثنا أقيم في مدينة غرناطة الأندلسية في نسخته لعام 2019، وقبله بعام انعقد في مدينة كارتاخينا دي إندياس الكولومبية، أما في عام 2020 فكان من المفترض أن يقام في جزيرة هاواي، إحدى الولايات الأمريكية الواقعة في المحيط الهادئ، وتحديدا في عاصمة تلك الولاية، مدينة هونولولو. ومن المفارقة أن تلك الولاية لا تقع في قارة أمريكا الشمالية التي تضم الولايات المتحدة وكندا.
وبسبب جائحة كورونا، فقد قررت إدارة المؤتمر تأجيل انعقاده حتى العام المقبل وليقام في مدينة هونولولو نفسها. وقد وجهت رسائل التأجيل للمشاركين والمتحدثين، وطمأنة أصحاب الأوراق البحثية المقبولة بعرض أبحاثهم في وقائع المؤتمر proceedings في نسخته المقبلة لعام 2021 بشكل تلقائي، شريطة التسجيل والحضور للمؤتمر. وبسبب قيود السفر المفروضة على عدد من الدول بسبب تداعيات كورونا وبحكم تنوع دول المشاركين، اضطرت إدارة المؤتمر إتاحة الحضور بشكل افتراضي أو حقيقي، لضمان انعقاد المؤتمر في موعده المحدد وعدم تغيب المشاركين ممن لا يستطيعون الوصول إلى تلك الجزيرة الأمريكية بسبب كورونا.
وفي الأسبوع الثاني من هذا الشهر، افتتح المؤتمر وبدأت فعالياته وجلساته العلمية والثقافية. وكوني أحد المشاركين والمتحدثين فيه، فقد خضت تجربة المشاركة بشكل افتراضي للمرة الأولى. حتى أنقل التجربة التي لم تكن ثرية بالنسبة لي، أود أن أشير إلى أهم ما يميز الحضور بشكل شخصي لمثل تلك اللقاءات العلمية. عادة يحرص المشاركون أو الخبراء على المشاركة طمعا في التعرف على الرواد من العلماء والباحثين في مجالات أبحاثهم ومناقشة أي فرص تعاون مستقبلية بينهم وبين هؤلاء العلماء، سواء التقوا بهم في إحدى جلسات المؤتمر، أو على مائدة الطعام أو خلال استراحة لتناول القهوة. إضافة إلى ذلك، فإن الحضور بشكل حقيقي يلهب حماسة المشاركين وهم يتنقلون بين قاعات الجلسات للاستماع للعروض المرئية ومشاركات المؤلفين وطرح الأسئلة عليهم وجها لوجه. كل هذه المشاهد تصور جزءا يسيرا من الزخم المتأتي من حضور تلك التظاهرات العلمية والمعارض المصاحبة لها.
وعودا على الحضور الافتراضي للمؤتمر، فإنني أستطيع القول إن المشاركة كانت باهتة لا روح فيها. ففي إحدى جلسات المؤتمر التي يلقي فيها المشارك عرضا يصف فيه ما أنجزه من أبحاث، تنقل صورة المتحدث ونسخة من المادة المعروضة عبر الاتصال المرئي (زووم) دون رؤية بقية الحضور أو التفاعل معهم. كما أن فرصة اللقيا بالعلماء والمميزين في مجالاتهم تعد ضئيلة إن لم تكن غير واردة لمن يشارك من وراء شاشته.
حتى تعالج مشكلة غياب التفاعل أو تعزيز الاندماج مع الحضور بشكل فعال التي تتكرر في ملتقيات كثيرة بسبب أحداث ما بعد جائحة كورونا وما زالت مستمرة، لا بد من تفعيل دور التقنية بشكل أكبر وإتاحة استخدامها لشرائح أوسع. إن تبني تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز ستساعد على سد الفجوة بين العالم الحقيقي والافتراضي وتعد فرصة سانحة للاستثمار فيها، خصوصا مع وجود طلب عالمي متزايد.
إنشرها