المهن الحرفية .. التأهيل والعوائد المجزية

يتذكر بعض منا الزمن الجميل لما كان السباك والحداد والنجار من أبناء الوطن، ثم طفر العمران والاقتصاد والحياة، وفتح الباب أمام شريحة ضخمة من العمالة الوافدة لسد النقص ودعم التطور، فهجر السعوديون هذه المهن تدريجيا، وتولدت لديهم نظرة دونية نحوها.
ليس هناك شرف خاص بالموظف الذي يعمل خلف المكتب يجعله في مرتبة أعلى من العامل الذي يكد من وراء الآلة، بل إن للمهن الحرفية خصائص لا تتوافر في غيرها، مثلا سيطرتها على القطاع الخاص وحرية ساعات العمل وعدم احتياجها إلى رأسمال كبير وملاءمتها لذوي المهارات اليدوية، وعوائدها السريعة المجزية، فحسب الإحصائيات يتجاوز معدل الدخل الشهري للسباك والكهربائي في السعودية 12 ألف ريال، إنها امتيازات تذهب جلها للأجنبي المستحوذ على سوق المهن الحرفية والفنية بشكل شبه كامل وبنسبة 90 في المائة.
في أمريكا والدول المتقدمة نجد نوعا مميزا من الرعاية لهذه المهن، حتى أصبحت السباكة في المرتبة الثانية ضمن أفضل مهن المقاولات في أمريكا وفي المرتبة الخامسة كأفضل مهنة دون تعليم، ومن ناحية الدخل فهي في المرتبة التاسعة كأفضل وظيفة تدر دخلا دون درجة علمية جامعية.
اهتمت وزارة التعليم بتطوير مسارات الثانوية العامة لرفد سوق العمل بالحرفيين الوطنيين، لكن الإقبال ما زال ضعيفا على المسارات المهنية، من أسباب ذلك جهل الطلبة بأهمية ومميزات هذا القطاع ومدى مساهمته في الاقتصاد.
خلال الأعوام الفائتة قامت الدولة بالتدخل في هذه السوق، بقرارات التوطين الموجه والمبادرات مثل صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"، والنتيجة ظهور نماذج سعودية مشرفة تعمل بجد وكفاءة في المنشآت والورش، لكننا نطمح إلى مزيد من الخطط التشاركية بين قطاعات الدولة التعليمية والتنموية والاقتصادية.
الإحلال التدريجي للعمالة الوطنية يستدعي التأهيل الكامل والتدريب الاحترافي للعامل المهني، خصوصا في الجانب التطبيقي التي يتفوق في أهميته على النظري، وهنا يظهر عمق مفهوم توطين الوظائف الذي يهتم بتوظيف السعودي وإعداده من الجانب النوعي، أما السعودة فتهتم بالجانب الكمي لعدد السعوديين في مؤسسة ما.
رفع نسب توطين المهن بند بارز في رؤية المملكة 2030 لحل مشكلات البطالة وزيادة مساهمة المواطنين والمواطنات والتخلص من إشكاليات الوافدين، فنلاحظ صدور قرارات دورية بخصوصها، منها ما أصدرته وزارة الموارد البشرية أخيرا ووفر 40 ألف وظيفة بتوطين المهن الفنية والهندسية.
من آليات تنظيم هذه السوق التي نشيد بها اشتراط اعتماد الفني من قبل الهيئة السعودية للمهندسين، ما يرفع كفاءة السوق الحرفية ويزيد من جاذبيتها لطالبي العمل السعوديين، كما نطمح إلى تأسيس صندوق سعودي مختص برعاية وتمويل تعليم وتدريب المهن الحرفية والتقنية، أو أن تقوم الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى بتأسيس مراكز تدريب تابعة لها نسبة لخبرتها في المجالات الفنية، بما يفيد المؤسسة أولا من التوفير المستمر للعمالة الوطنية المدربة، والحصول على دعم صناديق الاستثمارات للدولة، والمساهمة في حل مشكلة البطالة والإسراع في تنفيذ قرارات التوطين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي