Author

عصر جديد بثيمة رقمية 

|

خلال المرحلة الأولى من عمر رؤية السعودية 2030 استطاع برنامج التحول الوطني أن يحقق تغييرات جذرية في جميع المجالات الاقتصادية والمالية، إلى جانب إحداث نقلة مهمة في جانب الإيرادات غير النفطية، ومن بين أبرز النتائج التحول الرقمي النوعي، خاصة أتمتة الأعمال والخدمات خلال فترة الجائحة. ومع أن السباق العالمي نحو تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة لم يزل في أوله، إلا أن السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان تتطلع إلى أن تحتل مركزا متقدما مرموقا في هذا المجال بين دول مجموعة العشرين.

وحقيقة، الطموحات لا حدود لها، فالثورة الصناعية الرابعة بما تقدمه من إسهامات تقنية، وحلول رقمية، وبنية اتصالات متكاملة قوية، تجعل الذكاء الاصطناعي أهم عوامل الإنتاج في الاقتصاد العالمي الجديد. وإذا كانت الثورة الصناعية الأولى خلال القرنين الـ 18 والـ 19، تركزت في صناعات الحديد والنسيج ومحركات البخار، فإن الثورة الثانية (1870- 1914) شهدت ولادة صناعات جديدة متعلقة بالنفط والفولاذ والكهرباء.

وخلال الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي ظهرت الثورة الصناعية الثالثة منتجة التكنولوجيا المتحولة من أجهزة إلكترونية وميكانيكية إلى خوارزميات رقمية. وينتظر أن تحل الثورة الصناعية الرابعة، التي بدت ملامحها ترتسم في الأفق، بثيمة مختلفة عمادها الذكاء الاصطناعي، والنانو، وإنترنت الأشياء، والتكنولوجيا الحيوية. بمعنى أن البشرية مقبلة على عصر تتلاشى فيه الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية.

ولقد أثبتت الجائحة وما تسببت به من أزمة اقتصادية في أن الدول، التي كانت مستعدة للتحول الرقمي مع شبكة اتصالات قوية ومتكاملة كانت الأسرع في تجاوز تبعات الأزمة، والتعافي الاقتصادي، والاجتماعي، والصحي، من آثار الجائحة، وهذا ما أكده الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، في منتدى الثورة الصناعية الرابعة في الرياض، حيث أوضح أن التغيرات والتحولات، التي شهدتها السعودية قد أسهمت بشكل واضح في تحقيق عوائد كبيرة في عدد من القطاعات.

وفي المنتدى ذاته أيضا، أشار وزير المالية إلى أن الاقتصاد السعودي قد تعافى بشكل كبير من تداعيات الجائحة، وأن التحول الرقمي هو المرتكز الأساسي لهذا التعافي، لأنه أسهم في استمرارية العمل خلال الجائحة، على الرغم من الاحترازات والإغلاقات.

السعودية أثبتت خلال أزمة كوفيد - 19 وما تلاها، بأنها في أتم الجاهزية لخوض المنافسة في عالم الثورة الصناعية الرابعة، حيث تم نقل الخدمات الحكومية من التشغيل الفعلي إلى الافتراضي، وتم تقديم بيانات دقيقة لاتخاذ القرارات الصحيحة في الأوقات المناسبة للجهات ذات العلاقة، وهذه قضية أساسية في تقييم نجاح تجربة التحول من التشغيل الفعلي للخدمات والأعمال الحكومية إلى العالم الافتراضي، حيث تظهر عملية دعم القرار بالمعلومات ذات الجودة، وهذا يتضمن أن تكون المعلومات عند صاحب القرار في الوقت المستهدف دقيقة، ومتكاملة، وملائمة للقرار.

ولعلنا هنا نستشهد بقدرة السعودية أيضا على استضافة أعمال قمة العشرين، حيث استطاعت تنفيذ اجتماعات القمة بنجاح بالغ أشاد به كبار القادة في العالم، وتم عقد قمتين برئاسة خادم الحرمين الشريفين، وكان لتلك القمتين والقرارات أهمية كبيرة سيذكرها التاريخ بمداد من ذهب. كانت تلك النجاحات الكبيرة التي تحققت للسعودية خلال وبعد أزمة كوفيد - 19 ترتكز على العنصر البشري، حيث أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، أن السعودية لديها موارد بشرية يافعة تمكنها من أن تصبح محركا للتحول الرقمي في الطاقة.

وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بما نفذته الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، وما تقدمه من أعمال وشراكات أسهمت في تطوير أعمال الجهات الحكومية، وتوفير المعلومات، التي ساعدت على الحد من انتشار الجائحة كتطبيق "توكلنا"، وأن هذا النجاح قاد الحماس نحو تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة حتى في مجال الطاقة، فقد سمحت تطبيقات إنترنت الأشياء بمراقبة وتقييم نقل النفط وعملياته، وتحديد أخطائه وعيوبه، مثل التسربات، إضافة إلى مراقبة المنشآت، كما يمكن استخدام الثورة الصناعية الرابعة في تعزيز التحويل، وتطوير التقنية، والتخلص من الإشعاعات والانبعاثات. وفي القطاع المالي تم التركيز في السعودية على التقنية المالية، التي تعمل على تحسين كفاءة الخدمات، وتقديمها بشكل أسرع للعملاء.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أهمية تدشين مركز الثورة الصناعية الرابعة في السعودية بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، تأتي في وقتها تماما لتسهم في رسم طريق أكثر وضوحا نحو استغلال مفاهيم الثورة الصناعية الرابعة ومنتجاتها في خدمة أهداف وتطلعات رؤية 2030، وتحقيق الاستدامة للاقتصاد السعودي، من خلال تطوير أطر العمل و"البروتوكولات" والحوكمة المرنة. هذا المركز يعد منصة متعددة الأطراف تجمع بين القطاعين الحكومي والخاص، والمجتمع المدني، لتعزيز تطوير سياسات وحوكمة تدعم تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

وباستخدام التقنيات ستتمكن الجهات المختلفة من تقديم حلول لقضايا مهمة للمجتمع، والاستفادة من تطبيقاتها بشكل آمن مستدام، إضافة إلى أنه ومع توسع حجم ونطاق قدرات تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الحاجة تتزايد إلى التعاون المتعدد الأطراف للاستفادة المثلى من معايير الحوكمة، والشفافية، والمسؤولية.

إنشرها