Author

نهج للتعامل مع تباطؤ النمو وانخفاض أسعار الفائدة «2 من 2»

|
تتزايد قناعتي أن النظريات الاقتصادية الكلية الحالية التي تقوم على فرضية أن السياسة النقدية يمكن أن تحدد معدل التضخم، قد لا تكون مناسبة للواقع الاقتصادي الحالي. واستنادا إلى مجموعة مختلفة إلى حد ما من العوامل، وصف ألفين هانسن، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، عجز الاستثمارات الخاصة عن الاستيعاب الكامل للمدخرات بسبب الخوف من أن ذلك الركود المزمن الذي سيعني عدم كفاية الطلب. وهناك عدد من الأشياء التي نتوقع رؤيتها إن كان الركود المزمن قد بدأ بالفعل في الأعوام الأخيرة. أولا، زيادة المعروض من المدخرات وانخفاض مستوى الطلب سيعنيان انخفاض أسعار الفائدة. وبالفعل، سلكت أسعار الفائدة الحقيقية اتجاها نزوليا وفقا لجميع المقاييس تقريبا خلال الـ 20 عاما الماضية، حتى مع زيادة عجز الميزانيات. وهذا ما رأيناه في القيم السالبة لأسعار الفائدة الحقيقية في دول العالم الصناعي رغم الزيادات الكبيرة في الدين الحكومي.
وثانيا، يمكن أن نتوقع أن تؤدي الصعوبات في استيعاب المدخرات إلى انخفاض النمو وصعوبة في تحقيق التضخم المستهدف. وهذا ما لاحظناه. ففي الوقت الحالي، لا تتوقع الأسواق أن يحقق أي بلد من دول العالم الصناعي نسبة التضخم المستهدفة البالغة 2 في المائة. ورغم انخفاض أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق ووصول العجز إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بعد أكثر من عقد من التعافي، فإن النمو لا يزال ضعيفا. يذكر أن البنوك المركزية رأت أن من الصعب رفع أسعار الفائدة ولا تزال تعتمد على زخم التعافي - على خلاف آراء الذين فسروا انخفاض أسعار التأثيرات المعاكسة للفائدة بعد الركود المزمن.
ثالثا، تزامن النمو المخيب للآمال مع استمرار انخفاض التضخم دون المستوى المتوقع مرة تلو الأخرى بما يثير الدهشة. ويعلم أساتذة الاقتصاد طلابهم المبتدئين أن انخفاض الكمية وتراجع الأسعار يشيران إلى انخفاض الطلب. ولو كان السبب الرئيس لهذا الركود على النحو الذي يراه كثيرون، هو أداء الإنتاجية المخيب للآمال، لكان المتوقع أن نرى الأسعار ترتفع لا تنخفض. ومع عدم تطبيق سياسات استثنائية، وقد يكون الانكماش جاريا ومستمرا.
ورابعا، فإن الفترات التي شهدت انكماشا وتباطؤا في النمو شهدت أيضا تضخما في أسعار الأصول. فقد ارتفعت أسواق الأوراق المالية الأمريكية أربعة أضعاف منذ الأزمة، وعادت الأسعار الحقيقية للمنازل إلى مستويات الذروة السابقة تقريبا. وهذا ما نتوقعه في ظل الركود المزمن حيث تتجه المدخرات الوفيرة إلى الأصول القائمة، ما يؤدي مثلا إلى زيادة نسب أسعار الأسهم إلى أرباحها ونسب أسعار العقارات إلى ريعها وتناقص علاوات الاستثمار على الديون طويلة الأجل.
ومبلغ علمي أنه لا توجد أي نظرية أخرى يمكن أن تفسر تباطؤ النمو أمام السياسات التوسعية المفرطة والتسارع الكبير في نمو ائتمان القطاع الخاص. فضعف نمو الإنتاجية يتوقع أن يؤدي إلى زيادة تضخم أسعار الناتج وتراجع تضخم أسعار الأصول. وغالبا ما تؤدي زيادة المخاطر وعدم اليقين إلى انخفاض مضاعفات أسعار الأصول وليس زيادتها. ومن شأن أي انعكاسات مؤقتة للأزمة المالية أن تتسبب في تراجع التوسع الائتماني وانحدار منحنى العائد على عكس ما لاحظناه.
إن الديموغرافيا يمكن أن تكون مصيرا محتوما. وهناك عناصر أخرى كثيرة تتحرك مع الديموغرافيا لتهيئة بيئة تتسم بوفرة المدخرات التي تصاحبها مشكلة استيعابها. وهذه هي الصورة العاكسة للمشكلات الاقتصادية الكلية التي تعاملنا معها على مدى عقود. فعلى البنوك المركزية، التزاما بالمهام المنوطة بها، أن ترفع معدلات التضخم لا أن تخفضها. ويمثل ضمان تحقيق الاقتصادات لكامل إمكاناتها تحديا يأتي منطقيا قبل زيادة تلك الإمكانات. فالاستقرار المالي معرض لمخاطر انخفاض الأسعار بقدر تعرضه نفسه لمخاطر ارتفاعها. وتتمثل المشكلة على المدى المتوسط في الاستيعاب الكامل للمدخرات وليس مزاحمة الاستثمار.
وفي الوقت نفسه من غير المرجح أن يكون لدى البنوك المركزية - في ظل أسعار فائدة سالبة بالفعل في اليابان وأوروبا ودون 2 في المائة في الولايات المتحدة - حيز كبير بالمعايير التاريخية على الأقل، لمواجهة الصدمات المعاكسة. ودرجت دول العالم الصناعي على أن تواجه نوبات الكساد بخفض أسعار الفائدة بمقدار خمس نقاط مئوية. إن بداية التصدي لأي تحديات جديدة هو الاعتراف بها. وهذا يعني قبول واقع الركود المزمن وتركيز حوارات السياسات على التحديات التي يفرضها.
إنشرها