تقارير و تحليلات

78.1 مليار دولار إصدارات خليجية في أسواق الدين الدولية خلال النصف الأول .. الأعلى في 10 أعوام

78.1 مليار دولار إصدارات خليجية في أسواق الدين الدولية خلال النصف الأول .. الأعلى في 10 أعوام

استدان المصدرون الخليجيون ما يصل إلى 78.1 مليار دولار من أسواق الدين الدولية خلال النصف الأول، وهي الأعلى منذ أكثر من عشرة أعوام، بما يعادل 17 في المائة من القيمة الإجمالية لاستدانة أسواق الدين في الأسواق الناشئة خلال الفترة.
واغتنمت جهات الإصدار الخليجية فرصة تراجع المراجع التسعيرية الدولارية وكثفت من إصداراتها في الربع الثاني من العام الجاري، بحسب ما أظهرته بيانات مالية.
وأظهر رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، أن أكثر من نصف إصدارات المنطقة الخليجية التي تمت خلال النصف الأول من العام "يعادل 51.4 في المائة"، جاء في الربع الثاني بسبب اغتنام المصدرين نافذة انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية المؤقتة.
وفي الإطار ذاته، تراجعت تكلفة المراجع التسعيرية لأدوات الدين الدولارية في الربع الثاني ما بين 9.5 في المائة إلى 5.4 في المائة لآجال خمسة أعوام، وما بين 19.2 في المائة إلى 16.6 في المائة لآجال عشرة أعوام.
وعلى سبيل المثال، انخفض عائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام، وهو معيار تكاليف الاقتراض العالمية، بمقدار 16.6 في المائة بنهاية الربع الثاني بعد أن أغلق عند 1.45 في المائة مقارنة بـ1.74 في المائة بنهاية الربع الأول.
واستند الرصد إلى الدراسة الإحصائية التي قامت بها إدارة أدوات الدخل الثابت لبنك أبوظبي الأول، وارتكزت البيانات على ما تم إصداره من أدوات دين بالعملات الصعبة.
وخلصت نتيجة الرصد لأوضاع السوق إلى أن تراجع أسعار معدلات الفائدة مع بداية الربع الثاني، منح جهات الإصدار الخليجية المترددة فرصة التقاط الأنفاس والتوجه إلى طرق باب أسواق الدخل الثابت.
وجاءت تذبذبات عوائد سندات الخزانة مع توقعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي رفع معدل الفائدة بحلول نهاية عام 2023، وذلك مقارنة بتقديرات سابقة كانت تشير إلى عدم تحريك الفائدة قبل عام 2024 على الأقل.
ونقلت منصة "ريد" REDD، المتخصصة بالتحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة، عن أحد المحللين أن تراجعات عائد السندات العشرية للخزانة الأمريكية من شأنه أن يجعل من بيئة السوق منصة قوية لإصدارات الأسواق الناشئة، مع توجه أقوى نحو المصدرين الذين يمنحون عوائد أعلى.

أهمية الإصدارات للجهات السعودية
تولي جهات الإصدار السعودية أهمية بالغة لحركة مراجع التسعير، نظرا إلى تزايد الاعتماد عليها في التسعير، فضلا عن إيجابيات جذب سيولة خارجية أجنبية لمصلحة الأنشطة التوسعية لاستثمارات تلك الشركات في الاقتصاد الوطني.
ويشير تقرير نشرته "الاقتصادية" في 14 مارس إلى أن جهات الإصدار السعودية استحوذت مجتمعة على 29 في المائة من إجمالي إصدارات المنطقة الخليجية بنهاية العام الماضي.

الرابط الخليجي مع سندات الخزانة
تظهر تلك التطورات في أسواق الدين الخليجية أثر علاقة ربط العملات بالدولار الذي يقود إلى تفضيل جهات الإصدار لهذه العملة التي تحتضن أضخم وأعمق أسواق الدخل الثابتة في العالم وكيف تؤثر الأحداث الاقتصادية في الأراضي الأمريكية، التي تنعكس على عوائد سندات الخزانة، على الجوانب التسعيرية للمصدرين الخليجيين.
وتشير نتيجة رصد أجرته "الاقتصادية" بالشراكة مع منصة "ماكرو بوند" السويدية المتخصصة في استعراض بيانات الاقتصاد الكلي، إلى أن عوائد سندات الخزانة الأمريكية لآجال خمسة وعشرة أعوام مع نظيرتها من عقود المبادلة لا تزال عند أدنى مستوياتها التاريخية منذ أكثر من عشرة أعوام.
وتعتمد الجهات السيادية والشركات الخليجية على تلك المراجع في التسعير النهائي وتحديد تكلفة التمويل المناسبة.
ولا تزال تكلفة التمويل في الأسواق الناشئة تقع "في المنطقة المقبولة" لطرفي المعادلة، وهما المستثمرون الذين يرون أن عوائد الإصدارات الجديدة لا تزال جذابة، وبين جهات الإصدار التي ترى أن العوائد لا تزال منخفضة.
ولا يتوقع للتذبذبات الحالية في تكاليف الاستدانة الدولارية أن تؤثر في التصنيفات الائتمانية لمعظم الدول، وذلك وفقا لوكالة "ستاندرد آند بورز"، حيث ترى الوكالة أن خفض الفائدة وضخ سيولة رخيصة في الاقتصادات الكبرى من شأنه أن يقلل من آثار صعود عوائد سندات الخزانة.

تقييم الأداء للمراجع التسعيرية
أظهر رصد لوحدة التقارير الاقتصادية، حدوث تغير ملحوظ في أسعار أهم مؤشرين قياسيين تتم الاستعانة بهما من قبل المصدرين الخليجيين، وذلك مع بداية العام الحالي.
وجاء ذلك بعد حدوث تغيرات اقتصادية على الساحة الأمريكية جعلت مراجع الفائدة للسندات تعاود هبوطها من المستويات المرتفعة التي سجلتها في الربع الأول لهذا العام.
وفي الوقت الذي تستعين فيه الشركات بمؤشر "متوسط عقود المبادلة" mid-swap مع الإصدارات الدولارية، تقوم بعض جهات الإصدار السيادية باللجوء إلى مؤشر "عوائد سندات الخزانة الأمريكية"، وذلك وفقا لأجل الاستحقاق الذي يتم اختياره مع كل إصدار.
وسجل مؤشر "عوائد سندات الخزانة" الأمريكية انخفاضات بمقدار 5.4 في المائة على السندات الخمسية بنهاية الربع الثاني مقارنة بالربع الأول.
وتكرر الأمر ذاته على الآجال المتوسطة الخاصة بمؤشرات "متوسط عقود المبادلة"، الذي سجل انخفاضات بمقدار 9.5 في المائة على الآجال الخمسية وانخفاض بالتكلفة بمقدار 19.2 في المائة على الآجال العشرية عن الفترة نفسها، حيث يستعين معظم المصدرين الخليجيين بآجال الاستحقاق ذات خمسة أو عشرة أعوام.
واستندت وحدة التقارير في رصدها إلى تقصي أسعار مراجع التسعير الدولارية من عدة مصادر، وهي منصة "سي بوندز" Cbonds التي يستعين العاملون في أسواق الدخل الثابت بمنصتها من أجل تتبع حركة مؤشرات أسواق الائتمان العالمية، ومنصة bondevalue التي تقدم للمستثمرين ميزة الكشف عن عروض البيع والشراء للسندات التي في محافظهم من أجل التحكم في القرار الاستثماري الخاص بالورقة المالية.
أما بخصوص البيانات التاريخية لحركة مراجع التسعير فتم التعاون مع منصة Macrobond التي لديها برمجيات خاصة تمكنت على إثرها من تكوين أكبر قاعدة بيانات اقتصادية، مدعومة بأدوات تحليلية تساعد الباحثين على ربط تلك البيانات ببعضها بعضا وتكوين صورة شاملة عن الاقتصاد الكلي.

أهمية مؤشرات القياس
يتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس، وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية، فعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام، أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس"، يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.

استمرارية الأعمال
من أجل تيسير عمل المتداولين في الشركات الاستثمارية وإدارة الأصول والمصارف خلال الجائحة، قامت تلك الشركات بتركيب شاشات التداول الضخمة في مساكن موظفيها من أجل إعادة إيجاد بما يسمى "قاعة التداولات".
وقبل أن تتفاقم تبعات الجائحة كانت معظم البنوك الخليجية الكبرى مستعدة لتطبيق ما يعرف بسياسة "استمرارية الأعمال"، التي يتم اللجوء إليها في الحالات والظروف الطارئة، حيث لم تتأثر منهجية العمل كثيرا بعدما تم الطلب من موظفي تلك المؤسسات تعليق العمل وتطبيق إجراءات العمل عن بعد، باستثناء الوظائف الحرجة.
والقطاع المالي الآسيوي كان من أوائل المناطق الجغرافية الذي نجح في التعامل مع ظروف العمل عن بعد، حيث نجح العاملون في تلك الشركات الآسيوية "ومن خلف الأبواب المغلقة لمنازلهم" في اكتشاف آلية عمل مناسبة تحافظ على استمرارية العمل خلال هذا العالم الافتراضي عبر الاستعانة بمحادثات الفيديو والمكالمات الهاتفية لتكون بديلا مثاليا عن اجتماعات المستثمرين التي كانت ستتم عبر الجولات الترويجية في المدن الآسيوية.
ويكثر الجدل بين المصرفيين فيما إذا ما كانت الجائحة قد جعلت بعض التقاليد "كرحلات السفر الخاصة بالأعمال والجولات الترويجية الخاصة بصفقات السندات" شيئا من الماضي واستبدلتها بتطبيقات المكالمات المرئية التي تختصر الوقت المعتاد تخصيصه للمستثمرين مقارنة بالاجتماعات وجه لوجه.
ومنذ العام الماضي، تجنبت جهات الإصدار الخليجية عقد جولات ترويجية للالتقاء بالمستثمرين بين عواصم المال العالمية واستبدلتها بالاجتماعات الافتراضية.

التعامل مع الواقع الجديد
حققت السيولة الذكية لشركات إدارة الأصول مكاسب استثنائية بعد اقتناص أدوات دين ذات جودة عالية بثمن بخس خلال قاع مارس في العام الماضي.
ويلجأ مستثمرون مؤسسيون إلى خيار اختبارات ضغط التدفقات المالية لأدوات الدين الخاصة بشركات الأسواق الناشئة في ظل انعدام الرؤية حول انتهاء الوباء وظهور السلالة المتحورة.
وأصبحت تلك الاختبارات بمنزلة البلورة السحرية لمعرفة وتمييز جهات الإصدار التي ستنجو من الوباء، وتجرى تلك الاختبارات بهدف التعرف على قدرة الشركة على تحمل الخسائر المستقبلية التي يمكن أن تتعرض لها في ظل سيناريوهات محددة حول الأوضاع الاقتصادية في المستقبل.
وأدت إجراءات احتواء الجائحة وإغلاق الاقتصادات في الفترة الماضية إلى زيادة كبيرة في مشكلات السيولة أو حتى التعثر في السداد بين المؤسسات غير المالية في الأسواق الناشئة.
في حين عانت المؤسسات المالية التباطؤ في تحصيل الأقساط مع محاولة الشركات تأجيل المدفوعات، في حين أقدمت بعض الشركات على تبني إجراءات احترازية للمحافظة على مستوى السيولة النقدية لمواجهة مخاطر عدم تدفق السيولة.
وتحاول البنوك المرتبة لإصدارات أدوات الدين في الوقت الحالي إعطاء الأولوية للشركات التي تعمل في قطاعات لم تتأثر بالجائحة "كالاتصالات والأغذية وشركات الأدوية" التي تزداد معها نسبة نجاح الإصدار.

قطاع ينمو
تمر أسواق الدين الخليجية بفترة نمو ملحوظة في أنشطتها، وذلك بعد انضمامها في 2019 إلى أهم مؤشرات السندات في الأسواق الناشئة، الأمر الذي جعل صحيفة "وول ستريت جورنال" تشبه ما يجري في أسواق الدخل الثابت الخليجية "بطفرة" الإصدارات السيادية، وذلك خلال تغطيتها أنشطة بنوك الولايات المتحدة مع جهات الإصدار الشرق أوسطية.
وجنت السيولة الذكية للمستثمرين المؤسسيين ثمار الفرص الاستثمارية التي تولدت من جراء الاضطرابات السوقية أوائل العام الماضي التي بدورها أوجدت "اختلالات تسعيرية" للقيمة العادلة لأدوات دين المنطقة الخليجية.
وحققت تلك الأدوات أداء متميزا لمن احتفظ بها خلال تلك الفترة، وذلك على الرغم من التوترات الجيوسياسية وانخفاض أسعار النفط، حيث يراهن مستثمرو السندات على أن اقتصادات المنطقة سيكون أداؤها أفضل هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية.
وتاريخيا، دائما ما عانت أدوات الدخل الثابت عدم حصولها على التقدير اللازم "كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة"، ونتج عن ذلك عدم وجود نوعية الأصول تلك في معظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة في الاستثمار في الأسواق الناشئة.
إلا أن الأمر برمته بدأ بالتغير تدريجيا عندما شرعت مؤشرات "جي بي مورجان" في إضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة، وذلك تدريجيا على مدى تسعة أشهر التي تتبع أداءها الصناديق المتخصصة في أدوات الدخل الثابت.
وبذلك تصبح الديون السيادية للمملكة جزءا لا يتجزأ من محافظ شركات إدارة الأصول العالمية، سواء الخاملة منها أو النشطة.

القروض مقابل أدوات الدين
لطالما شكلت مسألة تفضيل الاقتراض عبر "القروض المصرفية" أو عن طريق طرق باب "أسواق الدين"، جدلا بين مديري الخزانة "في الشركات السعودية والخليجية"، حيث إن الخيار الأفضل يعتمد على ظروف السوق.
ومثلا، اللجوء إلى أدوات الدين في الوقت الحالي يمنح المصدرين السعوديين والخليجيين ميزة تسعيرية منخفضة التكلفة، وكذلك يمنحهم أفضلية إطالة آجال الاستحقاقات لتصل إلى أكثر من عشرة أعوام مقارنة بالقروض المجمعة التي تصل معظم آجالها في السعودية إلى عام واحد أو عامين أو بالكثير خمسة إلى ثلاثة أعوام في حال كان القرض المجمع مقوما بالعملة الدولارية.
ويعود سبب عدم قدرة معظم البنوك على تقديم قروض بآجال استحقاق أطول إلى القيود التنظيمية التي فرضتها المعايير الدولية للمحاسبة والمراجعة IFRS، ولا سيما من المعيار التاسع الذي يتطرق إلى المعالجة المحاسبية الخاصة بالقروض وكيفية التطرق إلى المخاطر الناجمة عنها.

توسيع خيارات التمويل
عندما تطرق شركة ما باب أسواق الدين فهذا يعني أن هذه الشركة قد بلغت مرحلة مهمة من النضج والتطور، لأنها وسعت من خيارات التمويل لديها وبذلك تتجاوز مرحلة اعتمادها الكلي على القروض المصرفية.
وتاريخيا، لا توجد قنوات تمويلية متنوعة للشركات السعودية، نظرا إلى اعتمادها على القروض المصرفية، وكذلك سوق الأسهم.
وحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي، شكلت أدوات الدين ما مقداره 18 في المائة من العمليات التمويلية للشركات السعودية في 2016 والنسبة الباقية توزعت على القروض المصرفية والأسهم، في حين تشكل أدوات الدين ما نسبته 75 في المائة من العمليات التمويلية للشركات في الأسواق الناشئة.
وبحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي، ازدادت نسبة الشركات السعودية التي تعتمد على القروض المصرفية مقارنة بأدوات الدين.
ونظرا إلى سهولة الحصول عليها وضعف ثقافة تنويع مصادر التمويل، استحوذت القروض المصرفية على 78 في المائة من خيارات الحصول على التمويل في 2017 مقارنة بـ75 في المائة في 2016.
ويأتي ذلك في ظل محاولة الجهات التنظيمية تشجيع شركات القطاع الخاص من أجل تنويع مصادر التمويل والاعتماد على مصادر أخرى، كأدوات الدين التي حافظت على حصتها نفسها خلال الفترة نفسها، وهي 18 في المائة.

وحدة التقارير الاقتصادية

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات