تقارير و تحليلات

جنوب شرق آسيا ساحة صراع شرس في صناعة السيارات

جنوب شرق آسيا ساحة صراع شرس في صناعة السيارات

المنافسة في منطقة جنوب شرق آسيا لا يعني استبعاد اليابان والصين وكوريا حيث لهم حصة كبيرة من السوق العالمية.

جنوب شرق آسيا ساحة صراع شرس في صناعة السيارات

أغلب الدراسات تنصب على الصراع التنافسي بين الشركات الكبرى سواء الألمانية أو الأمريكية أو غيرهما.

عند الحديث عن صناعة السيارات والمنافسة الدولية المحتدمة بين المنتجين، فإن أغلب التعليقات والدراسات تنصب على الصراع التنافسي بين الشركات الكبرى، سواء الألمانية "فولكسفاجن" أو الأمريكية "جنرال موتورز" أو منافسيهم البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين، وبالطبع لا يمكن لأحد أن يستثني اليابان من تلك المنافسة التي تصل في بعض الأحيان إلى حد تكسير العظام.
بالطبع سيارات كوريا الجنوبية لا يمكن استبعادها أيضا، فلها حصة لا بأس بها من السوق العالمية بلغت العام الماضي 7.5 في المائة، كما أن الحديث يتزايد عن أن الصينيين قادمون ليكونوا لاعبا مميزا في سوق إنتاج السيارات، وتحديدا السيارات الكهربائية منخفضة التكلفة.
لكن هل تنتابك الدهشة إذا ما علمت أن منطقة جنوب شرق آسيا تشهد حربا شرسة بين بلدانها على من ستكون له الغلبة والهيمنة في سوق صناعة السيارات في تلك المنطقة من العالم.
تبدو أسباب الحرب وتفاؤل المتفائلين حول مستقبل الصناعة في تلك الرقعة من العالم منطقية، وتنسجم مع ضخامة السوق، حيث يتجاوز عدد السكان 600 مليون نسمة، ما يعني سوقا ضخمة وأرباحا هائلة. والأهم طبقة متوسطة تنمو بمعدلات متسارعة وارتفاع ملحوظ في مستويات المعيشة، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو تريليوني دولار، ما يجعل الطلب على السيارات في تزايد مستمر، ومعه بالطبع أرباح المنتجين.
أبرز ما يلاحظ في هذه السوق أنه على الرغم من الوضع الوبائي في المنطقة نتيجة جائحة كورونا، فإن شركات صناعة السيارات في جنوب شرق آسيا استمرت في إطلاق موديلات جديدة في الأسواق، نظرا لزيادة الطلب الناجم عن الرغبة في الإبقاء على مسافات التباعد الاجتماعي، بما يتطلبه ذلك من تفادي استخدام وسائل المواصلات العامة. ولإدراك حكومات بلدان المنطقة أن صناعة السيارات محرك رئيس للناتج المحلي الإجمالي، فإنها سارعت خلال العام الماضي بتقديم المساعدة للصناعة، وردت الصناعة من جانبها الجميل بزيادة الابتكار لزيادة مبيعاتها.
بالطبع ليست كل جوانب الصورة وردية، فهناك تحديات تواجهها الصناعة مثل موافقات الإقراض التي باتت شديدة الصرامة من قبل البنوك على قروض السيارات، وبيئة الصرف الأجنبي التي لا تبدو داعمة للصناعة.
لكن تلك التحديات لا تمنع الباحثين من مواصلة التساؤل لمن ستكون الغلبة والهيمنة في صناعة السيارات في جنوب شرق اسيا.
المهندس سي. جيلد من شركة لاند روفور لصناعة السيارات يعلق قائلا، "قبل عشرة أعوام كان بإمكان تايلاند أن تدعي بسهولة أنها حاملة تاج صناعة السيارات في جنوب شرق آسيا، إلى الحد الذي دفع الخبراء إلى تسميتها باسم ديترويت آسيا، على غرار مدينة ديترويت الأمريكية مركز صناعة السيارات في الولايات المتحدة، فتايلاند كانت أكبر وأهم المراكز لتصنيع السيارات بلا منازع في جنوب شرق آسيا، إلا أن وباء كورونا عزز تغيرات كانت قد بدأت بعض ملامحها في الظهور والتأثير في مشهد تصنيع السيارات في المنطقة في الأعوام الأخيرة".
ويضيف، " فإندونيسيا بدأت تشكل تحديا حقيقيا لهيمنة تايلاند، لكن الوضع المستقبلي والمنافسة بين تايلاند وإندونيسيا ستتضح معالمها خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد أن رفضت إندونيسيا وهي أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، اقتراحا بخفض ضريبة الرفاهية على السيارات الجديدة إلى صفر في المائة، وفضلت تقديم حوافز استثمارية لشركات صناعة السيارات".
منذ أعوام والإنتاج الضخم للسيارات بات هدفا رئيسا للأسواق الناشئة في المنطقة، بما يتضمنه ذلك من سلاسل إمداد معقدة ومتكاملة توفر مئات الآلاف من الوظائف، وتجذب استثمارات بمليارات الدولارات، وتتطلب أنواعا من المهارات ونقل التكنولوجيا تسهم في النمو على المدى الطويل.
لكن ليس كل تجارب تصنيع السيارات في جنوب شرق آسيا ناجحة من وجهة نظر الدكتور أيه.ج. دين أستاذ ميكانيكا السيارات في جامعة إسكس.
ويقول لـ"الاقتصادية" إن "الرغبة في البروز كمركز لصناعة السيارات في المنطقة، اتسمت في بعض الأحيان بالتسرع وعدم القيام بدراسات دقيقة، فقد حاولت ماليزيا مثلا القيام بذلك عبر شركة وطنية، ولدعم تلك الشركة أقامت الحكومة حواجز تجارية جعلت استيراد السيارات الأجنبية باهظ الثمن ومكلف، وعملت على تطوير سيارة محلية الصنع وهي بروتون، التي بات لديها نصيب قيادي في السوق الماليزية الأسيرة للحواجز التجارية، ولكن خارج ماليزيا كان وجود بروتون ضئيلا للغاية، ونظرا لأن السوق المحلية باتت مشبعة بسيارات بروتون، فإن قدرة الصناعة على النمو محدودة للغاية، ومن ثم نجحت ماليزيا في بناء سيارة وطنية ولكنها غير تنافسية، في وقت تعد القدرة على المنافسة شرط النجاح".
لكن الدكتور دين يرى أن تجربة تايلاند أكثر نجاحا فقد سلكت بانكوك اتجاها مختلفا، إذ اتبعت قواعد صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية منذ التسعينيات، ففتحت الأسواق أمام الاستثمار الأجنبي والواردات، وفي عام 1995 أنتجت 600 ألف سيارة تم بيعها كلها تقريبا في الأسواق المحلية، بعد عقدين وتحديدا في عام 2015 كانت تنتج 1.9 مليون سيارة، 800 ألف للسوق المحلية و1.2 مليون للتصدير.
ويؤكد أن سبب نجاح تلك التجربة يعود إلى تقديم حوافز استثمارية جذابة والسماح لشركات صناعة السيارات الأجنبية بحرية في تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها، وهذا سمح للمصانع التايلاندية بالتخصص وتحسين كفاءتها الإنتاجية، وباتت صادراتها في الإقليم أكثر قدرة على المنافسة.
لكن المنافسة التي بدت محتدمة بين تايلاند وإندونيسيا تشهد قادما جديدا يتطور أبطاء من جيرانه، لكن خطوات تقدمه تبدو محسوبة، بحيث حقق نموا جديرا بالاهتمام في الأعوام الماضية.
فقد بدأت صناعة السيارات الفيتنامية تحرز تقدما ملحوظا في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، وهي الآن في طريقها لأن تكون واحدة من أسرع صناعات السيارات نموا في جنوب شرق آسيا على مدار العقدين المقبلين، ففي عام 2018 باعت فيتنام 288 ألف سيارة بزيادة قدرها 6 في المائة عن عام 2018.
وتراهن فيتنام في الوقت الراهن على أن صادراتها من قطع غيار السيارات سيمثل الطريق الذي ستبني عليه مشروعها في عالم صناعة السيارات مستقبلا، حيث يذهب حاليا 42 في المائة من إنتاجها من قطع غيار السيارات إلى اليابان و16 في المائة إلى الولايات المتحدة ما يعد اعترافا دوليا بجودة إنتاجها.
ولا شك أن انخفاض تكلفة الإنتاج والقيود المنخفضة على الاستثمار الأجنبي المباشر تلعب دورا رئيسا لمصلحة فيتنام، الذي أهلها لجذب بعض منتجي السيارات وقطع الغيار للانتقال من تايلاند إليها، ما فتح صراعا حادا مع تايلاند وإندونيسيا في هذا المجال.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات