Author

العنصرية والمفارقة «2»

|
مستشار اقتصادي
في الأسبوع الماضي، عرضنا الإطار العام لموضوع الكتاب، وهذا الأسبوع نتابع محاولة تقديم تفسير الاختلافات في المفارقة بناء على النتائج التي تقود ضمنيا وعلنيا إلى الاعتقاد بأن مصادر الاختلافات في الجينات، والتمييز أيا كان مصدره، عرقي أو ديني أو جغرافي أو طبقي. الفروقات موجودة بين الإخوة والشركات والمؤسسات والدول، كما هي موجودة في الطبيعة في توزيع المطر والمقدرات والزلازل. يرى الكاتب أن مصادر الاختلافات والمفارقة تنحصر في نواح عدة، منها الاختلافات الفردية بين الناس والطبيعة والجغرافيا والمؤسسات والتركيبة السكانية.
نراجع هذه النواحي تجريبيا.
لعل الاختلافات بين الناس، وفي العائلة الواحدة، أول ما يقابله الناس من اختلافات بينهم. فالكل يعرف مدى الاختلافات بين الإخوة والأخوات، حتى التوائم، على الرغم من تعادل الظروف المعيشية والجينات والمعاملة. إحصائيات قياس الذكاء تقول، إنه في المتوسط، المولود الأول عادة أعلى ذكاء من الثاني، والثاني أعلى من الثالث. بل إن دراسة بريطانية أجريت على أربعة آلاف أمريكي، وجدت أن الاختلاف في الدخل أعلى حتى من الفجوة في مستوى التحصيل التعليمي لمصلحة الذرية الأكبر عمرا.
كذلك الوضع المؤسساتي، فسكان الصين تغير أداؤهم الاقتصادي والمعيشي والتعليمي بعد عملية الإصلاح الشاملة منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي. يذكر باحث مسلم في العصر الأندلسي، أنه كلما اتجهت شمال أوروبا، شحب لون السكان وزاد الغباء، حين كان شمال أوروبا متخلفا، لتصبح الأكثر تطورا في العالم لاحقا. أحيانا التغير المؤسسي يأخذ طابعا تقنيا، كما حدث لشركة Eastman Kodak، التي أصبح فشلها مثالا على عدم التكيف مع التقنية الجديدة. كذلك في الطبيعة هناك مفارقات مؤثرة، فمثلا 90 في المائة من العواصف في العالم تحدث في أمريكا، حيث لا بد من توافر عدة عناصر في الطبيعة في آن واحد، دونها ربما تنعدم أو تقل العواصف بقوة.
كذلك يحدث البرق في إفريقيا أكثر من آسيا وأوروبا مجتمعتين، وكذلك تتركز الزلازل في حواف المحيط الهادي. للطبيعة دور مؤثر في تشكيل حياة الناس. هذه الاختلافات تجعل النتائج مختلفة، لأن التوزيع غير متماثل، والإشكالية أن الكثير يبحث في حيثيات ومسببات للاختلاف في النتائج دون النظر إلى المعطيات، ولذلك يلجأ إلى البحث في مكان خطأ. في العصر الروماني كانت تكلفة نقل بضاعة لمسافة ألفي ميل في البحر أعلى من نقلها 75 ميلا في البرية، لذلك توافر لسكان المدن البحرية فضاء تجاري وثقافي مختلف عن المدن والمراكز البعيدة عن الموانئ. المواصلات الحديثة قلصت هذه الاختلافات، لكنها لا تستطيع إنهاءها. كذلك المناخ والتربة، لذلك لا يمكن لبلد واحد أن يتطور بالدرجة نفسها في كل المناطق.
لعل التركيبة السكانية أحد العوامل التي لم تعط حقها، فمثلا متوسط العمر لليابانيين الأمريكان 51 عاما مقابل 27 للمكسيكيين الأمريكان، لذلك لا يمكن أن يتعادلوا في التجربة والوظائف والتعليم والثروة دون أي علاقة مع الأصل العرقي أو تصرفات عنصرية. بل إن الإنسان الواحد يتغير حسب مرحلة العمر. فالحقوق والمعاملة المتساوية لا تضمن الأداء نفسه والنتائج. الإشكالية الفكرية أن هناك جاذبية عالية نحو قبول أن كل النتائج الوظيفية والتعليمية والمالية مصدرها العنصرية والجينات.
هناك نزعة للتبسيط، فحتى الكسل الذهني في كل الدول والمجتمعات بدرجات مختلفة. التحدي العلمي قبول أن حتى عامل واحد مؤثر مثبت علميا قد ينحصر دوره في ظل وجود عناصر أخرى تغلبه في التأثير.
إنشرها