Author

تجنب الشركات الكبرى للضرائب

|
نمت في الأعوام الأخيرة شركات التقنية، مثل: مايكروسوفت وأبل وجوجل وأمازون وفيسبوك بسرعة صاروخية، كما تضخمت أرباحها وثروات ملاكها الرئيسين وتبوأوا المراكز الأول بين أثرياء العالم. ويعود جزء كبير من النمو السريع في أرباح هذه الشركات وتضخم ثروات ملاكها، إلى عملها في مجالات التقنيات الجديدة، التي تمكنها من نقل أعمالها بسهولة عبر الدول وخفض أعبائها الضريبية إلى مستويات متدنية. ويشير عديد من المصادر إلى أن شركات التقنية الكبيرة تدفع معدلات ضريبية منخفضة من أرباحها مقارنة بباقي كيانات القطاعات الاقتصادية التقليدية. وأحدث هذا اختلالات في موازين العدالة الضريبية بين هذه الشركات التي تحقق أرباحا فلكية وباقي شركات القطاعات الاقتصادية والشرائح السكانية العاملة، ما أثار الجدل والنقاشات حول تراجع العدالتين الضريبية وتوزيع الدخل في الدول الصناعية الكبرى.
إن إشكالية الضرائب على الشركات العملاقة قديمة، وتخضع للتجاذبات السياسية والخلافات بين الدول. ويستفيد بعض الدول بشكل أكبر من أنشطة الشركات متعددة الجنسية من خلال منحها مزايا ضريبية لجذب مقارها الرئيسة أو بعض أنشطتها إلى أراضيها، ما تسبب في فقدان دول أخرى موارد ضريبية كبيرة من أنشطة تلك الشركات على أراضيها. وحاول بعض الدول الكبرى حل هذه المعضلة بمفردها لكنها لم تستطع، لذلك اضطرت في النهاية إلى الاتفاق فيما بينها كي تواجه هذه الشركات وباقي الكيانات العابرة للحدود التي أصبحت أقوى من بعض الدول. وحقق بعض الشركات أرباحا طائلة بلغت مئات المليارات على مر الأعوام، جاء جزء كبير منها نتيجة استغلالها ثغرات وتناقضات الأنظمة الضريبية للدول، وحصولها على تسهيلات ضريبية كبيرة من الدول الراغبة في جذب الاستثمارات. وقادت التباينات الضريبية إلى انتقال عوائد المصادر غير الملموسة، كالبرمجيات وبراءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية إلى الملاذات الضريبية، ما خفض استحقاقات الضرائب على الشركات في دولها الأصلية.
تحاول شركات سلاسل القيمة، خصوصا شركات التقنية المنتشرة حول الأرض، تجنب الضرائب من خلال توزيع أنشطتها للاستفادة من الأنظمة الضريبية للدول وتسجيل مقارها وفروعها الرئيسة في دول منخفضة الضرائب. ولهذا ليس من المستغرب أن توجد المقار الرئيسة أو المكاتب الإقليمية لشركات عالمية كبرى في ملاذات ضريبية كإيرلندا أو سويسرا أو لوكسمبورج أو سنغافورة أو بعض جزر الكاريبي أو دبي. وتفيد تقارير سويسرية بأن كانتوناتها مسؤولة عن تهرب ضريبي مقدر بنحو 13 مليار دولار يخسره العالم نظير تسجيل المقار والفروع الرئيسة لشركات كبيرة فيها. وتعد سويسرا وإيرلندا من أكبر مقار التهرب الضريبي حول العالم، حيث تنخفض فيها معدلات ضرائب الشركات إلى 15 في المائة و12.5 في المائة على التوالي. لهذا ليس من الغرابة أن تجد الفروع الأوروبية لشركات ضخمة، كفيسبوك أو جوجل، في إيرلندا.
أدى التهرب الواضح للشركات الكبيرة متعددة الجنسيات من الضرائب، إلى تبني مجموعة السبع في بداية حزيران (يونيو) تعديلات ضريبية على أنشطة الشركات العالمية. ولعل أبرز هذه التعديلات هو وضع حد أدنى للضريبة على الشركات نسبته 15 في المائة مع إعطاء الحق لرفعه إلى 20 في المائة إذا تجاوزت معدلات الأرباح 10 في المائة. وتطبق هذه الضريبة على الكيانات التي تتجاوز إيراداتها 20 مليار دولار. ولا يخفى على أحد أن هناك استهدافا لشركات معينة دون تحديد مسمياتها. إضافة إلى ذلك، يبدو أن هناك توافقا على فرض الضريبة في البلد منشأ النشاط، وليس على أساس بلد المقر الرئيس. وأيد قادة 130 دولة في بداية تموز (يوليو) الحالي هذا التوجه الذي من المتوقع أن يدعمه أعضاء مجموعة العشرين في وقت لاحق. وتستطيع شركات التقنية أن تحقق أرباحا هائلة في بعض الدول دون وجود مادي أو فرع لها، لأن خدماتها تقدم عن طريق الإنترنت. لهذا فإن هدف الاتفاق هو إجبار الشركات الكبرى أن تدفع بشكل متزايد ضرائب في الدول التي تنشط وتحقق فيها أرباحا.
تأمل دول العالم أن تسهم هذه التعديلات الضريبية في رفع الإيرادات الضريبية لخفض العجز الهائل الناتج عن أزمة كورونا الاقتصادية، والحد من تدهور عدالة توزيع الدخل في المجتمعات العالمية. من جهة أخرى، يشكك البعض في فعالية التنظيمات الضريبية الجديدة وقدرتها على إجبار الشركات الكبرى على دفع ضرائب أكثر. صحيح أن الشركات الكبرى ستواجه معدلات ضريبية قانونية أعلى لكنها ستتمكن مع محاميها من اختراق الأنظمة الضريبية الجديدة وستدفع ضرائب مقاربة للقيم الحالية. وقد يعاني بعض الدول التي توفر ملاذات ضريبية، لكن قرارات الوجود في دول معينة ليست محصورة في معدلات الضرائب، حيث يمكن أن يكون التطبيق الفعلي لمعدلات الضريبة والخصوم الضريبية متفاوتا بين الدول، كما لا ينبغي تناسي بعض أوجه الفساد التي تمكن شركات ضخمة من تجنب دفع ضرائب عادلة. في حالة نجاح جهود رفع المحصلات الضريبية على الشركات الكبرى، فمن المتوقع أن ترتفع إيراداتها الضريبية في المملكة.
إنشرها