إطفاء الخسائر .. الأسباب والنتائج 

 
تعمل الأنظمة التجارية في العالم بشكل منتظم ومدروس على ثبات قيمة رأس المال، لأنه يعد الضمانة الأساسية للدائنين. ولحماية رأس المال من التغيير، فإن الأنظمة لا تسمح بزيادته أو خفضه إلا في حدود معينة.

ومن بين الأسباب التي تؤدي إلى خفض رأسمال الشركة، محاولة إطفاء الخسائر، ذلك أن النظام يجبر الشركة على تجميع الخسائر في حسابات منفصلة تسمى الخسائر المتراكمة، ما يسمح للشركات بالتعامل مع الخسائر، سواء بتخفيضها أو بزيادتها حسب نتائج الأعمال، لكن في مرحلة ما تصبح هذه الخسائر عبئا كبيرا على الشركات، لأنها تمنعها من توزيع الأرباح في حال حققت أرباحا في أي عام يتلو تلك الخسائر.

وإذا كانت الشركات تواجه ضغوطا من المساهمين بشأن توزيعات الأرباح، فإنها تعمل على إطفاء تلك الخسائر من خلال تخفيض رأس المال، لهذا فإن خفضه في الشركات يعد إشارة إلى رغبة الشركة في توزيع أرباح على المساهمين، ولكن بشرط أن تكون تلك الخسائر التي منيت بها الشركة قد حدثت في فترات التأسيس الأولى، وأن الشركة قد بدأت تستعيد عافيتها وتحقق أرباحا قابلة للتوزيع مع توافر تدفقات نقدية كافية لها.

لكن هذا ليس السبب الوحيد لخفض رأس المال، بل هناك أسباب أخرى، من بينها إعادة الفائض منه للمساهمين، وهذه حالة نادرة الحدوث في الأسواق العربية عموما، لكنها موجودة في الأسواق العالمية، فكثير من الأحيان قد تتغير حالة الأسواق والقطاعات وتتغير خطط الاستثمار لدى الشركات، أو قد تتغير أسعار الفائدة، ففي كل الأحوال قد ترى الشركة ككيان مستقل عن مساهميها بأن قدرتها على دفع المستوى نفسه من الأرباح بشكل دائم ليس في مصلحتها ولا مصلحة استدامتها. لهذا، قد تخطط لتخفيض رأس المال حتى تتخلص من فائض الأسهم، وبالتالي يمكنها رفع معدلات توزيع الأرباح، في مقابل الحصول على التمويل من سوق الدين ودفع فوائد مؤقتة، وهذا النموذج يعد في مصلحة كبار المساهمين عموما، وفي مصلحة إدارة الشركة إذا كانت تحصل على مكافآتها من خلال خيارات الشراء.

وفي نقطة أخرى من أسباب خفض رأس المال، مقابلة المتطلبات النظامية للسوق المالية، التي تشترط ألا تتجاوز الخسائر المتراكمة نسبة معينة منه، فتقوم الشركة بتخفيضه من خلال إلغاء الأسهم، والعودة من جديد من خلال رفعه وإصدار أسهم حقوق الأولوية، وهذا السبب الأخير من أسوأ الأحداث التي تمر بالشركة رغم أنه يجد دعما من النظام، ذلك أن عملية تخفيضه لم تكن بسبب مقابلة التطورات الاقتصادية أو تحقيق توزيعات قوية للمساهمين أو خطط توسع، بل في حقيقتها مجاراة للنظام مع بقاء أداء الشركة والقطاع عند المستويات السيئة السابقة دون تعديل.

وفي مقابل معالجة التدفقات النقدية من خلال خفض رأس المال، قد تقوم الشركة بتعويض المساهمين عن تلك التدفقات، بمنح الأسهم، وهذا على عكس حالة الخسائر المتراكمة، حيث يكون لدى مثل هذه الشركات أرباح متراكمة، لكنها لم تستطع توزيعها لعدة أسباب، من بينها عدم توافر نقدية كافية، حيث لا يؤثر توزيع الأرباح النقدية في أعمال الشركة ومقابلة الديون قصيرة الأجل، ولهذا فإن الشركة تعمل على تحويل هذه الأرباح المتراكمة إليه من خلال توزيع الأسهم.

ومن هنا، ينبغي قراءة قرارات الشركات المتعلقة بتخفيضه أو بزيادته وفقا لحالة التدفقات النقدية لديها، وهذه القراءة للتدفقات النقدية تتحقق من خلال قائمة التدفقات النقدية التي تصدرها الشركات ربعيا، وفقا لما تنص عليه أنظمة السوق المالية.

وفي تقرير لصحيفة "الاقتصادية"، أظهر أن تسع شركات مدرجة في سوق الأسهم السعودية، قامت برفع رؤوس أموالها. ومع ذلك، فإن ستا من أصل تسع شركات محل الرصد، رفعت رؤوس أموالها عن طريق أسهم المنحة، مرجعة ذلك إلى التوسع في الأعمال وزيادة معدلات النمو وتدعيم القاعدة الرأسمالية.

وفي المقابل، زادت ثلاث شركات رؤوس أموالها عن طريق اكتتاب حقوق الأولوية للصرف على تطوير الأعمال أو لسداد مديونيات وقروض الشركة، وهنا يمكن مقارنة الأسباب التي تقود الشركات في السوق المالية السعودية إلى منح الأسهم أو زيادة رأس المال. وفي كل الأحوال، فإن دفع أو زيادة حجم التدفقات النقدية للمساهمين لم يكن من بين تلك الأسباب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي