Author

يستحق الترقية ولكن ...

|
يجتهد كثير من الموظفين للحصول على ترقية يرضي بها طموحه ويحقق تطلعاته، لكن لا ينالها جميع من يجتهد ويحاول، لماذا؟ هل المشكلة في المدير أم في المكان أم قد تكون في هذا المجتهد الباحث عن الترقية؟ هل فعلا هناك من يحاول الحصول على ترقية وهو لا يستحق، أم هناك من يحاول الحصول على ترقية وهو لا يفهمها؟ هل الترقية تحصيل حاصل عند الاستحقاق، أم الجهات تملك الحق في تأجيل قرارات الترقية إذا كانت ظروفها لا تساعد حتى لو كان الموظف يستحق ذلك؟.
للمرور على بعض هذه الأسئلة يجب أن نعرف أولا المقصود من مفهوم الترقية في مقر العمل. يقصد بالترقية في العادة عملية ترفيع ونمو لحال الموظف يشمل المسمى الوظيفي والمسؤوليات والواجبات والأدوار ويتبع ذلك زيادة في الأجر. تتنوع ترتيبات المنظمات اليوم في تطبيق مفهوم الترقية وقد يكون بشكل يختلف عن صورته التقليدية، مثلا في الهياكل التنظيمية التي تكون أقل هرمية لا يكون الانتقال بشكل عمودي إلى مستوى أعلى في السلم الوظيفي بالشكل الواضح نفسه في التنظيمات الهرمية، قد لا تتغير بالضرورة المهام والأدوار الوظيفية وإنما قد تكون أكثر اتساعا - بل أحيانا تصبح أقل لكنها أكثر حساسية وأهمية. وفي بعض المنشآت الضخمة تستمر الترقية مع التدوير على وظائف متساوية في حجم المسؤولية لكن مختلفة في طبيعتها.
يتعامل بعض الموظفين - وبعض المنظمات كذلك - مع الترقية باعتبارها أداة مكافأة، وكأنها جائزة تسلم للموظف تقديرا لأدائه السابق. وهذا خطأ كبير لا يرتبط بمفهوم الترقية واستخدامها الأهم. الترقية هي تطور طبيعي لمهام الأشخاص يتسق مع تطور المنظمة وتبادل ونمو الأدوار فيها، ويرتبط أساسا بإمكانات الموظف وقدرته على إثباتها. لذا، نراها نتيجة طبيعية للأداء السابق، لكن ضبطها لعلاقة الموظف بمكان عمله أمر مستقبلي وليس ثوابا عن الماضي، ربما من أبسط وأصح ما ذكر عنها بأنها تكليف لا تشريف.
لماذا يفشل بعض المجتهدين المجدين في الحصول على ترقية؟ لو افترضنا إجادة الشخص للمهارات الفنية المطلوبة، وانضباطه حضوريا برتم أداء عال، وسيطرته بإتقان على مهام وظيفته الحالية، فهذا لا يعني حصوله على ترقية. لو كان كل من يجيد مهامه الحالية يحصل على ترقية لأصبح الجميع مديرين ولتمركز كامل موظفي المنظمة في أعلى السلم الوظيفي. بالطبع هناك مساحة للتوفيق والنصيب، لكن في الأمر ما هو أكثر من ذلك. تبحث المنظمات عن القادة الذين يمكن الاعتماد عليهم. تفضل هذه المنظمات اختيار قادتها من موظفيها الذين تعرفهم جيدا وتتفادى استقطاب القادة من الخارج، لكن تتجنب هذه المنظمات ترقية الأشخاص الذين لن يساعدوا على إدارة الأمور بمستوى أعلى حتى لو كان أداؤهم مميزا. كيف يحدث ذلك؟ بكل بساطة، لو كان الشخص يحوز كل السمات أعلاه "مهارات وانضباط وإتقان"، لكن يعاني من حوله بسبب أخلاقياته، فهذا سبب كاف جدا للابتعاد عن ترقيته، لمصلحة العملاء وزملائه الموظفين ومكان عمله. وتتجنب المنظمات كذلك ترقية الشخص الذي يسود على وضعه عدم الاستقرار أو عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، مثل سهل الانفعال أو المختفي أو ذلك الذي يدخل في أجواء خاصة به ينقطع بها بعيدا عن الآخرين، أي سمة تخفض الاعتمادية على الموظف والثقة به تعد سببا كافيا للاكتفاء بتثبيته في وظيفته الحالية.
تعد الترقية دمجا إضافيا في قيادات الشركة، وتطمح المنظمات إلى دمج من يعالج المشكلات وليس من يصنعها، لذا، من يعرف كيف يوجد الحلول ويعرضها ويديرها - بعد اكتشاف المشكلات بحيادية وعدل - هو الأقرب للترقية وليس من يكتشف المشكلات ويضخمها ويطرحها دون أن يرفق معها أسلوب الخروج الأمثل له ولفريقه ولمكان عمله. بل بعضهم يعتقد بأنه يعالج الأمور فنيا لكنه يجعلها متردية على المستويين الشخصي والاجتماعي داخل مكان عمله، فلا يعالج الاختلافات ولا يفكك التكتلات ويسهم في بناء العزلة في كل منظومة يشارك فيها، مثل هذا لا يترقى في العادة وإن تميز في أدائه. يتردد المديرون كذلك عند ترقية من يعرفون بأنه يتكلم أكثر مما يفعل، من ينشط بالحراك الكلامي ولا يجيد التنسيق ولا الترتيب، ومن يعجز عن العمل باستقلالية "بلا مدير" ومن لا يجيد التعاون مع الفرق الأخرى. وبكل تأكيد، يتردد صانعو القرار في ترقية الموظف الذي لا يخطو الخطوة الإضافية عند حاجة عمله إلى تلك الخطوة، المبادرة هنا ليست تطوعا ولا فضلا من الموظف، بل واجبا لم ينص وصفه الوظيفي عليه.
لو افترضنا أن الموظف استبعد كل الأسباب التي تحول دون ترقيته، هل سيحصل عليها؟ الجواب: ليس بالضرورة، فالأمر منوط بمديره الذي سيوصي أو لا يوصي بذلك، وبالمنظمة كذلك. كل مدير يحتاج إلى من يديره، والأمر يتطلب سعة بال وذكاء عاطفيا وعدم تعجل في كسب المدير بالبينة والعلاقة الجيدة. أما المنظمة فمن الطبيعي أن تملك تحدياتها التي قد تكون اقتصادية مؤقتة أو هيكلية معقدة، أو ربما ضعفا في تصميم المسارات الوظيفية بها. من الطبيعي أن يجتهد كل شخص للحصول على ترقية، لكن ليس من المعتاد أن يترقى كل من يستحق. كل نصائح الخبراء تدور حول فهم دور الترقية في المسار المهني ومجموع العوامل التي تسمح بحدوث ذلك، وتجنب التعجل وردة الفعل العاطفية والصبر، فإدارة المخاطر الوظيفية في مكان تعرفه أسهل من إدارتها في بيئة جديدة، وهذا لا يمنع - عند تباين التوقعات - من التغيير.
إنشرها