المعارضة الإيرانية .. رهان على سقطات النظام للإطاحة به

المعارضة الإيرانية .. رهان على سقطات النظام للإطاحة به
النظام الحاكم في إيران يظهر أسوأ ما فيه كفصل أخير لمقاومة الانهيار.
المعارضة الإيرانية .. رهان على سقطات النظام للإطاحة به

التأمت المعارضة الإيرانية في المنفى، من 10 من الشهر الجاري، وعلى امتداد ثلاثة أيام، في مؤتمرها السنوي الذي ينعقد هذا العام في سياق خاص واستثنائي، بالنظر إلى حجم المتغيرات التي كان المشهد داخل إيران مسرحا لها، إضافة إلى اتجاه الأحداث إقليميا ودوليا نحو مسارات جديدة، لا تخدم البتة مصالح أصحاب العمائم القابضين على الحكم في طهران.
ينعقد هذا التجمع غير المسبوق في حجمه وشكله، بشكل افتراضي عبر تطبيق "زوم"، انطلاقا من العاصمة الألبانية تيرانا، مكان وجود قيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. ويشارك في المؤتمر إيرانيون من نحو مائة دولة في العالم، حيث تم إحصاء 30 ألف نقطة اتصال. علاوة على مشاركة زهاء ألف شخصية سياسية، بما في ذلك 25 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين، و30 من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين. كما يحضر التجمع 179 نائبا من دول القارة الأوروبية وكندا، و66 برلمانيا ممثلون عن الدول الإسلامية.
يظهر من تحضيرات المؤتمر أن المعارضة الإيرانية تدرك منسوب الانسداد السياسي في الدولة، وضيق هوامش المناورة أمام رجال المرشد. لذا رفعت السقف عاليا، في هذا الموعد السنوي، بشعار "إيران حرة"، مطالبة بدعم "الشعب الإيراني في الداخل ومعارضة الفاشية الحاكمة في إيران". كما دعت إلى انتفاضة جماهيرية من أجل "استعادة إيران"، وبناء دولة حرة وديمقراطية فيها.
وبدت لهجة مريم رجوي، زعيمة حركة "مجاهدي خلق" ورئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية شديدة، وهي تخاطب المشاركين في كلمة مطولة، مؤكدة أن الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية عازمون على الإطاحة بالنظام، واستعادة إيران من أيدي مختطفي الثورة. وأضافت "سنبني إيران حرة، وسنقيم جمهورية ديمقراطية وعلمانية وغير نووية".
يعلم الإيرانيون في المنفى كما في الداخل، أن أزمات النظام تتفاقم تدريجيا، وحجم الشرخ بين الشعب والقيادة في تزايد مستمر، خاصة، بعد اختيار مجلس صيانة الدستور ذبح "الديمقراطية الموهومة"، من الوريد إلى الوريد أمام العالم، في آخر انتخابات رئاسية، ما يجعل رجال المرشد يفقدون أوراق لعبهم تباعا.
كانت شرعية الجماهير المستمدة من الصناديق آخر هذه الأوراق المحروقة، بعدما سجلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أدنى نسبة مشاركة باعتراف الجميع، لم تتعد 10 في المائة، فيما يصر النظام على نسبة 48 في المائة. وقبل ذلك أحرق النظام أكذوبة التعايش بين مختلف القوى داخل النظام، باجتثاث المعتدلين والإصلاحيين من المشهد السياسي، فلا صوت يعلو على صوت المتشددين والمحافظين، في الحكومة وفي البرلمان وفي القضاء والإعلام... حتى أيقن الإيرانيون أن مربع رجال المرشد هو من يحكم فعليا وعمليا، فيما بقية الأجهزة مجرد منفذين للتعليمات. وهكذا ما فضحه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في حوار صوتي خاص تعرض لتسريب.
وجاء إعلان فوز "الجلاد" إبراهيم رئيسي، المشارك في علميات إعدام آلاف المعارضين عام 1988، بالانتخابات ليسقط آخر أوراق التوت عن جمهورية المرشد. فلا سبيل لتعويض خسارة الجنرال قاسم سليماني، صانع الإرهاب في المنطقة العربية، إلا باستقدام شخصية من طينتها، وهذا ما توفر في إبراهيم رئيسي، قصد تدبير المرحلة المضطربة، في انتظار صناعة وتأهيل مخرب آخر.
لا ضير أن نشير في هذا السياق، إلى إدانة محكمة بلجيكية في شهر شباط (فبراير) بلجيكا لأسد الله أسدي الدبلوماسي الإيراني بالسجن، لمدة 20 عاما، بعد تورطه في محاولة لتفجير تجمع للمعارضة الإيرانية في العاصمة الفرنسية باريس قبل أربعة أعوام. هذا وكشفت التحقيقات أن الممثل الدبلوماسي كان يدير شبكة تجسس وإرهاب في ربوع القارة الأوروبية.
لكل ما سبق يعد مؤتمر المعارضة 18 للمعارضة الإيرانية لهذا العام نوعيا، وهذا ما دفع المنظمين إلى تبني فكرة تنظيم مظاهرات ومسيرات تضامنية مع الشعب الإيراني في 17 عاصمة ومدينة رئيسة في العالم، من بينها باريس وبرلين وواشنطن ولندن وأمستردام وستوكهولم وأوسلو وفيينا وروما وجنيف.. وذلك حتى لا يبقى صدى أصوات قوى المعارضة حبيس العالم الافتراضي، بين المشاركين والحاضرين فقط.
لقد آن أوان لتعرية وكشف إجرام نظام المرشد أمام أنظار العالم، وبلسان أبناء وبنات إيران، بتنظيم مظاهرات في مختلف أصقاع العالم، حتى يقتنع من يراوده شك بأن شعارات "الممانعة والمقاومة.." ما هي سوى أكاذيب لإخفاء حقيقة نظام يفتك بشعبه. ويتوقع أن يزداد الأمر ضراوة في عهد الرئيس الجديد، وبعد قرار الإيرانيين مقاطعة الانتخابات، ورفض السيرك الانتخابي إلى الأبد. فما من سبيل للتغيير دون استئصال المرشد وعصابة الملالي.
هذه المعركة الحقيقية التي على المعارضة الإيرانية أن تخوضها، مستغلة توالي سقطات النظام من ناحية. ورصيدها التاريخي من ناحية أخرى، قصد توحيد صفوف المعارضة في الداخل والخارج، وشرعيتها النضالية ولا سيما أنها تمثل خطا وطنيا معارضا منذ إسقاط حكومة مصدق بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بتواطؤ بين واشنطن ولندن والشاه. كما أنها كانت طرفا أساسيا في الثورة التي أسقطت الشاه، فهل تسهم هذه المشروعية التاريخية في فتح الأمل أمام ربيع فارسي؟ أم فقط أزمة عابرة لكنها جرس إنذار لثورة قادمة خاصة مع تنصيب رئيسي رئيسا للدولة، وكأن النظام الحاكم في إيران يظهر أسوأ ما فيه كفصل أخير لمقاومة الانهيار.

الأكثر قراءة