Author

انخفاض معدل البطالة في المملكة رغم التحديات

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
البطالة واحدة من أهم القضايا الاقتصادية في دول العالم، وهي مؤشر مهم لصحة الاقتصاد وكفاءة ومستوى العدالة في الفرص بين أفراد المجتمع، ومعالجة البطالة تعد من أهم المهام الاقتصادية التي تضطلع بها دول العالم، وهي مؤشر له دلالات كبيرة في الأسواق، ولذلك نجد الإعلان بصورة دورية عن البطالة والانخفاض في حجم الطلب على الإعانات له دور في نشاط الأسواق في العالم، كما أن الاهتمام بمسألة وفرة فرص العمل له أثره الكبير من جهة التحسن العام في الناتج المحلي وحركة السوق والنشاط التجاري، كما أن البطالة تزيد من الأعباء الحكومية في ظل تزايد حجم الطلب على الإعانات والخدمات المدعومة، إضافة إلى أثرها الاجتماعي السلبي.
تم الإعلان عن نسبة البطالة وانخفضت بصورة ملحوظة عما كانت عليه في تحول يدعو للتفاؤل، بفضل الإجراءات والبرامج التي تعزز من كفاءة الاقتصاد ومعالجة البطالة، وقد تم العمل خلال الفترة الماضية على برامج متعددة تهدف إلى توفير فرص أكبر للقوى العاملة الوطنية للحصول على فرص وظيفية في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية، كما أن عودة الأنشطة الاقتصادية بشكل تدريجي كان له دور في تحسن النشاط الاقتصادي بصورة عامة، ولا ننسى كفاءة الأجهزة الحكومية ذات العلاقة في إدارة أزمة كورونا، حيث أسهمت في استمرار فتح الأنشطة الاقتصادية مع المحافظة على مستوى الإصابات بأرقام غير مرتفعة، خصوصا مع الاستمرار في حملات التلقيح بأعداد جيدة رغم تنافس الدول على اللقاحات في العالم.
بلغت نسبة البطالة بناء على الإحصاءات الخاصة بالربع الأول لعام 2021، 11.7 في المائة، وهي قريبة من مستوى البطالة في حده الأدنى قبل خمسة أعوام، الذي بلغ 11.6 في المائة في 2016، وأفضل بقليل من نسبة البطالة التي بلغت 11.8 في المائة قبل الجائحة في الربع الأول لعام 2020، حيث كان ذلك العام صعبا على الاقتصاد في المملكة، بسبب الإغلاق الذي بلغ حجم البطالة خلاله أكثر من 15 في المائة، وهذا التحسن يعد كبيرا، وهو يعزز من كفاءة السوق في المملكة والثقة بقدرته على تحقيق المستهدفات الخاصة بمعدلات البطالة في السوق، التي وضعتها رؤية المملكة 2030، والتي تطمح إلى وصوله إلى نسبة تصل إلى 7 في المائة، الذي يعتمد بصورة كبيرة على كفاءة الإجراءات التي من شأنها أن تعزز فرص النمو في الاقتصاد وإيجاد وظائف جديدة، إضافة إلى كفاءة القوى العاملة الوطنية في شغل تلك الوظائف.
التحديات التي تواجه سوق العمل وفرص تخفيض معدلات البطالة في المملكة كبيرة، والعمل على تخفيض مستويات البطالة يتطلب العمل عليها بما يحقق معالجة أكثر استدامة، ولعل من أبرز تلك التحديات التدفق الهائل من القوى العاملة الوطنية المؤهلة لسوق العمل سنويا، بسبب الأعداد الهائلة من الخريجين الذين يبحثون عن عمل من مختلف التخصصات والمهن، كما أن المهارات التي تتطلبها بعض الوظائف تحتاج إلى التدريب والتخصص المناسب، إضافة إلى أهمية إصلاح سوق العمل من الممارسات غير المشروعة مثل: التستر التجاري والتوظيف للقوى العاملة الأجنبية بصورة غير مشروعة، ما كان له تأثير في الإجراءات والخطط والبرامج التي تهدف إلى توفير الفرص الوظيفية المناسبة للمواطنين.
ومن هنا تأتي أهمية العمل على مسألة التأهيل للقوى العاملة الوطنية، حيث إن بعض الوظائف تتطلب تخصصات محددة مثل مهنة المحاسبة، إلا أن بعض المؤسسات الصغيرة قد لا تحتاج إلى متخصص بمستوى عال في المحاسبة، ومن هنا من الممكن إتاحة الفرصة لبعض الخريجين من الجامعات في التخصصات التي تشهد طلبا كبيرا في سوق العمل، التي تتطلب حدا أدنى من المعرفة، ليتمكن المواطن من ممارسة المهنة بالحد الأدنى، وهذا يمكن أن يكون من خلال دورات متخصصة تشرف عليها وزارة الموارد البشرية بالتعاون مع الجامعات، أو مراكز التدريب المتخصصة ذات الكفاءة العالية، ومن ثم يتم تأهيلهم لاختبارات متخصصة للحصول على رخصة للعمل في تلك القطاعات، التي يمكن أن تشهد نقصا في المؤهلين، كما أن الخطوات الخاصة بالعقوبات الخاصة بجريمة التستر يمكن أن يكون لها أثر جيد. من المهم أن يكون هناك برامج ودورات تتضمنها برامج التدريب، خاصة بأخلاق المهنة وتحفيز القوى العاملة الوطنية للاجتهاد والعطاء، بما يجعل من استقطابهم ميزة نسبية مقارنة بالقوى العاملة الأخرى، خاصة أنهم يتميزون بتأهيل وتعليم أفضل غالبا من القوى العاملة الأجنبية الحالية في السوق.
فالخلاصة أن الانخفاض الكبير لحجم البطالة في الربع الأول مؤشر إيجابي يدفع للتفاؤل بالوصول إلى نتائج جيدة وفق رؤية المملكة 2030، رغم التحديات الكبيرة التي تتعلق بتدفق أعداد هائلة من الخريجين لسوق العمل، ولعل العمل على توفير فرص تدريبية في التخصصات المستهدفة بالتوطين للخريجين الذين لا يجدون فرص توظيف في تخصصاتهم، قد يكون له دور في تحقيق برامج التوطين للمهن أهدافها، ويعزز من فرص القوى العاملة الوطنية في الحصول على وظائف مناسبة.
إنشرها