دمج ثقافتين

في بعده الاقتصادي، يشكل دمج مؤسستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، في كيان واحد، نقلة مهمة في الطريق إلى "رشاقة القطاع الحكومي"، وفي تقليص التكاليف وتوحيد الجهود، والتشجيع على الانضمام أكثر للقطاع الخاص.
في البعد الاجتماعي، سيكون الطريق أطول قليلا لتغيير ثقافة امتدت لعقود من الزمن منذ إنشاء الجهاز الحكومي السعودي وتحويرها إلى ثقافة القطاع الخاص، وهذا الأخير كان لديه تحوير في ثقافته بعد دخوله مراحل الفطام من الدعم الحكومي الذي كان لا بد منه في البدايات، ودخول قطاعات ليست قليلة منه معترك التنافسية الدولية مع انفتاح الأسواق، وتطوير أنظمة الاستثمار التي سهلت دخول المستثمر الأجنبي لتحقيق قيمة مضافة في الاقتصاد المحلي.
ومع ما طبق من تخصيص، ونيات تطبيق أكبر وأوسع لبعض القطاعات الحكومية، سيزداد دمج الثقافتين، ثقافة العمل الحكومي، وتلك السائدة في المنظمات الربحية، لنكون إزاء ثقافة الإنتاج التي تستهدفها الرؤية، ولتصبح المعادلة "البقاء للمنتج" - بضم الميم وكسر التاء - وهي ثقافة لن يكون في مقدور الجميع التعايش معها أو تطبيقها فورا.
كل ذلك مفهوم ومقدر للانتقال إلى من مرحلة تنموية إلى أخرى، ويبدو حسب المعطيات الاقتصادية أنه لا مفر منه.
في قضية الدمج والإشارات المتلاحقة حول نظام موحد للتقاعد أو للتأمينات يشمل الجميع، تصاعدت الأسئلة حول المستقبل، خاصة من أولئك القريبين من تحقيق أهدافهم الحياتية والمادية إن كانوا من النوع الذي يخطط لذلك، ولا تزال الإجابات غير متوافرة، والإشاعات سيدة الموقف.
نحس، أو لعلنا نعلم أن الاستقطاعات الحالية غير كافية لمقابلة العجز، خاصة مع ارتفاع حالات التقاعد المبكر، فلماذا لا تعلن ملامح النيات أو الأفكار وتطرح للنقاش؟ أو لماذا لا تظهر تطمينات حول معاشات الناس المستقبلية؟ وأيضا لماذا لا يدرس هذا الوضع اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وأقصد به وضع زيادة الطلب على التقاعد المبكر وفقدان كثير من المزايا والبدلات لمن هم في تصنيف منظمة الصحة العالمية في منتصف العمر تقريبا؟ أطال الله في عمر الجميع.
نحن إزاء منعطفات اقتصادية تاريخية نتمنى أن نمر بها بهدوء وبسرعة موزونة تحقق الانتقال السلس مع أقل قدر من الخسائر، والخسائر هنا لا بد منها آنيا، لكننا نأمل أنها لتلافي خسائر أكبر أو أعمق في المستقبل.
نحن لا نعلم كيف أدارت المؤسستان أموالهما، ولذلك لا نستطيع الحكم، أو تفهم وجهة نظرهما، ولكننا نعلم أن حكومتنا الرشيدة ومنذ إنشائهما دعمت هاتين المؤسستين كثيرا، وربما أنقذتهما في مراحل تاريخية لا نعلم عنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي