البطالة في ظل تعاف ضعيف

"الجائحة أعادت فقر العمال إلى مستويات عام 2015"
جاي رايدر، رئيس منظمة العمل الدولية

رغم أن عجلة الاقتصاد العالمي تعود تدريجيا إلى الدوران، إلا أن مشكلة البطالة التي عمقتها الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كوفيد - 19، ستكون حاضرة على الساحة الدولية لأعوام عديدة. وهذا يعني، وفق الأمم المتحدة، أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي وضعتها المنظمة الدولية لن تمضي قدما، في عدد من الميادين من بينها ساحة البطالة. وفي الأعوام التي سبقت الجائحة العالمية، حققت البرامج التنموية التي طرحتها الأمم المتحدة عبر مؤسساتها المختلفة، قفزات نوعية، بما في ذلك تمكنها من خفض حقيقي لمعدلات الفقر في جميع الدول، خصوصا الدول التي تندرج في قائمة الأشد فقرا. وهذا النجاح جاء عمليا من خلال تعاون دولي واسع، يضمن توفير التسهيلات التجارية للدول الفقيرة، وفتح خطوط إنتاج بينها وبين الدول المتقدمة.
ومع انفجار جائحة كورونا توقف كل شيء تقريبا، حتى إن الحكومة البريطانية - على سبيل المثال - تدرس جديا خفض مساعدتها الإنمائية للدول الفقيرة، مستندة إلى الضغوط المالية التي جلبتها الجائحة. توقف الحراك الاقتصادي على مدى أكثر من عام تقريبا، أضاف مزيدا من العاطلين عن العمل إلى قوائم البطالة في كل الدول دون استثناء. والمشكلة الحقيقية، أن نسبة كبيرة من العاطلين الجدد لن يستطيعوا العودة إلى وظائفهم حتى لو عاد الحراك الاقتصادي إلى ما كان عليه قبل الأزمة. والسبب أن الجائحة أحدثت تحولات عميقة في سوق العمل، عبر خروج قطاعات بأكملها من هذه السوق. فحتى الحكومات التي قدمت حزم الإنقاذ الاقتصادي، قبلت بهذه التحولات وتركت عددا من الشركات يخرج من الساحة، ووجدت أنه لا جدوى من إنقاذها.
وإذا كانت الدول المتقدمة والثرية يمكنها أن تتحمل ارتفاعات مفاجئة وطويلة الأجل لمستويات البطالة فيها، فإن الدول الناشئة أو الأشد فقرا عاجزة عن ذلك، خصوصا أن الجائحة تسببت في أزمة اقتصادية وصفها صندوق النقد الدولي بأنها الأعمق منذ 80 عاما. والبطالة تعني ارتفاع معدلات الفقر، أي زيادة عدد الأسر التي تعيش تحت خط الفقر بصورة كبيرة. وخطوط الفقر المعتمدة دوليا لا تقتصر على الدول الفقيرة، بل تشمل الدول المتقدمة التي ارتفع فيها عدد الناس الذين يعيشون إما على حدود الفقر أو تحت خطه. ولذلك لم يكن غريبا مثلا ارتفاع أعداد ما اصطلح على تسميته بنوك الطعام حتى في قلب العالم الغربي. فضلا عن زيادة هائلة في المساعدات الغذائية للدول الفقيرة.
وعلى هذا الأساس، تؤكد منظمة العلم الدولية، أن يظل 220 مليون شخص على الأقل عاطلين عن العمل على مستوى العالم في العام الحالي. وهذا مستوى مرتفع كثيرا عن معدلات ما قبل الجائحة. وهذا الوضع يأتي في ظل تعاف اقتصادي ضعيف لسوق العمل، من جراء هشاشة التعافي الاقتصادي عموما، ورغم أن المنظمة الدولية تتوقع تحسنا في أعداد العاطلين في العام المقبل عند 205 ملايين عاطل، لكنه يبقى أعلى كثيرا من 187 مليونا عام 2019. ويشير أغلب التوقعات إلى أنه لا يمكن أن تعود مستويات البطالة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة إلا في عام 2023 وربما في العام الذي يليه. أي إن هناك مساحة زمنية صعبة للغاية، وهي في الوقت نفسه قابلة لأن تدوم أكثر، إذا لم يسيطر العالم على تداعيات كورونا، خصوصا في ظل السلالات الجديدة للوباء التي تظهر في هذا البلد أو ذاك، رغم اتساع رقعة عمليات التلقيح عالميا.
من النقاط الصعبة جدا في علاج الارتفاع المخيف للبطالة عالميا، تلك التي تختص بأكثر من ملياري شخص يعملون في قطاعات غير رسمية. فهؤلاء هم الأكثر تضررا، وتعيش النسبة الأكبر منهم على أقل من 3.20 دولار للفرد في اليوم الواحد. وهذه الشريحة الهائلة تؤرق المشرعين في منظمة العمل الدولية. فلا بد من إيجاد حلول شاملة لهم، إلى جانب الحلول الخاصة ببقية العاملين في القطاعات الرسمية. والمخيف أن نسبة أيضا كبيرة من هذه الشريحة، لا تتمتع بأي ضمانات أو تأمينات اجتماعية. أزمة البطالة العالمية متشعبة ومعقدة في آن معا، خصوصا في ظل ما تركته جائحة كورونا على الساحة العالمية. وإذا ما استمر التعافي الاقتصادي بطيئا، فإن كل التوقعات حول انخفاض في معدلات البطالة بعد ثلاثة أعوام من الآن، لا قيمة لها.
من المشكلات الحاضرة أيضا، أن نمو التوظيف سيكون غير كاف لتعويض الخسائر التي حدثت حتى عام 2023 على الأقل. فالأمل مرتبط بعودة النمو الاقتصادي العالمي إلى مستوى يتيح المساهمة في خفض مستويات البطالة عند كل الشرائح العاملة الرسمية وغير الرسمية. ولذلك ترى المؤسسات الدولية خطورة كبيرة فيما لو قامت الحكومات بوقف حزم الدعم التي أطلقتها بسبب الجائحة. فأي تراجع في ذلك يعني مزيدا من العاطلين عن العمل، ومن أولئك الذي سينضمون إلى قوائم الأسر التي تعيش تحت خط الفقر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي