Author

الجوال والترابط الأسري

|
مع الانفجار التقني خلال العقدين الماضيين، فإن استخدام الأجهزة الحديثة ومنها أجهزة الاتصال الذكية، خاصة الهاتف المحمول أو الجوال، أصبح ضرورة لا غنى عنه، خصوصا أن كثيرا من الأمور العملية والمعاملات تتم باستخدام هذه التقنية، وهذا في حد ذاته أمر لا غبار عليه. وإنما تكمن المشكلة حين يساء استخدامها وبالتالي ظهور الآثار السلبية لها. حتى إن هناك من لا يجد حرجا في أن يسمي الجوال ـ اللص الخفي ـ لكثرة ما يسرق من الأوقات، فعند بعض الناس نجد أن الجوال لا يسرقهم من الآخرين فحسب، بل يسرقهم حتى من أنفسهم. أصبحنا نرى في المجالس انشغال الناس بهواتفهم الذكية وإدمان النظر إليها حتى ليخيل للناظر أن هؤلاء قد حضروا بأجسادهم دون أرواحهم.
ومع الأسف فإن الأمر نفسه ينسحب على أفراد الأسرة الواحدة فتجد الآباء والأمهات وقد انشغلوا عن أبنائهم بسبب هذه التقنية، كما أن الأطفال أنفسهم لم يعودوا بتلك الروح الجميلة مع الوالدين أو الأقارب، نظرا لأن كلا منهم يعيش في عالمه الخاص ويحمل بين يديه ما يعزله نفسيا عن الآخرين. وكل هذه مؤشرات في غاية الخطورة، وقد أشارت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن الهواتف الذكية قد أفسدت الحياة الأسرية بما نسبته 44 في المائة بين أفراد الأسرة الواحدة. تأثير هذه الأجهزة لا يقتصر على بلد دون آخر، بل هو ظاهرة تشتكي منها كل دول العالم.
يشير بحث نشر أخيرا في إنجلترا إلى أن ما نسبته 25 في المائة من الأشخاص البالغين يفضلون التحدث مع أفراد أسرهم عبر الهاتف المحمول أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي وليس وجها لوجه. إن تأثير الجوال في الحياة الاجتماعية والترابط الأسري أصبح واضحا لا يمكن إنكاره أو تجاهله، وأصبح مصدرا حقيقيا يهدد طبيعة العلاقات الحيوية وتماسك أفراد الأسرة الواحدة، فضلا عن بقية أفراد المجتمع، لذا يجب أن نوضح لأبنائنا وأسرنا أهمية الحد من استخدام الجوال، خاصة عند اجتماع الأسرة أو عند تناول الطعام، وأن نحرص على النقاش معهم والتحدث إليهم وجها لوجه وترتيب لقاءات يمنع فيها استخدام الجوال تماما. إننا جميعا مطالبون بأن نقاوم رغبات أنفسنا وألا ندع هذا الجهاز يفسد علاقتنا ببعضنا حتى لا نندم حيث لا ينفع الندم.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها