السياسية

معيار «غاندي» كمقياس للتقدم السياسي والأخلاقي

معيار «غاندي» كمقياس للتقدم السياسي والأخلاقي

معيار غاندي للحكم على عظمة أمة ما وتقدمها لا يقتصر على سوء معاملة الحيوانات.

معيار «غاندي» كمقياس للتقدم السياسي والأخلاقي

في البلدان المتقدمة يمثل استغلال الحيوانات لأغراض تجارية مشكلة أكبر بكثير.

لقد قال المهاتما غاندي "يمكن الحكم على عظمة أي أمة وتقدمها من خلال كيفية تعامل تلك الأمة مع حيواناتها". ولو طبقنا ذلك الاختبار على العالم بشكل عام، فكم من التقدم الأخلاقي قد حققنا خلال الألفي عام الماضية؟ لقد تم طرح هذا السؤال في رواية "الحمار الذهبي" التي يمكن القول إنها أقدم رواية لا تزال باقية، وهي تعود إلى نحو عام 170 من الميلاد، أثناء فترة حكم الإمبراطور ماركوس أوريليوس للإمبراطورية الرومانية. كان المؤلف أبوليوس فيلسوفا وكاتبا إفريقيا، ولد فيما يعرف الآن بمدينة مداوروش الجزائرية، ولقد تعلم اللاتينية واليونانية، حيث أكمل تعليمه في أثينا، وزار روما قبل العودة إلى المنطقة التي ولد فيها.
إن رواية "الحمار الذهبي" مبنية - بحسب تقرير بيتر سنجر أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون ومؤسس المنظمة غير الربحية The Life You Can Save - على أساس السرد، باستخدام ضمير المتكلم من قبل لوكيوس الذي قاده اهتمامه بالسحر إلى ثيسالي وهي مقاطعة في اليونان معروفة بقدرات سحرتها، لكن سعيه إلى تعلم فنون الظلام انتهى بشكل سيئ، وذلك عندما تحول إلى حمار، ومن خلال ذلك المظهر يصف لوكيوس من وجهة نظر الحيوان حياة حيوان متواضع، مخصص للعمل في العصر الروماني.
إن الأشكال المختلفة لسوء المعاملة التي تعرض لها الحمار يمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات، فهناك السادية: الولد العبد الذي يحمل له الحمار حطبا تم تجميعه من سفح الجبل، الذي يعشق تعذيبه بضربه بالهراوات، كما أنه يضيف الصخور حتى يجعل حمله أثقل إضافة الى ربط الأشواك الحادة في ذيله، وأخيرا عندما يحمل على ظهره حمولة من الأغصان الجافة، يقوم بوضع الفحم عليها، ومن ثم إشعال النار فيها، بحيث بالكاد يتمكن الحمار من النجاة بحياته.
هناك أيضا الوحشية: حيث يقع الحمار في أيدي عصابة من اللصوص يقومون بضربه بدون رحمة، ليس لأنهم يستمتعون بجعله يعاني، بل لإجباره على نقل فضتهم المسروقة عبر ممرات جبلية وعرة وشديدة الانحدار تقود إلى مخبئهم.
أخيرا، هناك الاستغلال، وهو أمر قاس، لكنه منطقي من الناحية الاقتصادية بالنسبة إلى المالك الجديد للحمار، وهو صاحب مطحنة، علما بأنه في تلك المطحنة وعلى مدار 24 ساعة في اليوم تقوم الحمير والخيول بتدوير العجلة التي تطحن الحبوب لتصبح دقيقا، وبعد ذلك يتم إطلاق سراحها من عملها الشاق لفترة تكفي فقط لتناول الطعام والنوم حتى تتمكن من العيش من أجل الاستمرار في العمل. إن من يقومون بالأشراف على عملها وضربها لو تكاسلت هم مجموعة من البشر الذين يتم استغلالهم أيضا للعمل كعبيد، وهم يرتدون الخلق البالية وجباههم موشومة وأرجلهم مقيدة.
إن كل هذا يجعل رواية "الحمار الذهبي" نصا تقدميا على نحو لافت للنظر، حيث توجب علينا أن نقفز إلى الأمام 17 قرنا قبل أن نجد في رواية آنا سيويل "الحصان الأسود" عرضا حيا وعاطفيا نسبيا لحياة حيوان تعرض لسوء المعاملة من قبل البشر، لكن ما الذي يمكننا تعلمه من هذا العمل الروماني عن التقدم الأخلاقي منذ كتابته؟ في عديد من الدول فإن القسوة السادية للولد العبد ووحشية قطاع الطرق ستكون غير قانونية، وهذا يعد تقدما لكنه ليس شاملا بالمرة، ولو عاد أبوليوس اليوم إلى المنطقة التي ولد فيها، فلن يجد قوانين تحمي الحيوانات من القسوة، ففي طول شمال إفريقيا وعرضها، فقط مصر لديها مثل هذا التشريع.
في غرب ووسط إفريقيا فإن الحيوانات محمية بحكم القانون فقط في غانا ونيجيريا، علما بأنه لا توجد قوانين وطنية تتعلق بالرفق بالحيوان في إيران والصين، وعلى النقيض من ذلك هناك على أقل تقدير بعض الحماية التشريعية للحيوانات في كامل أوروبا "مع استثناء وحيد هو بيلاروسيا" وشبه الجزيرة الهندية واليابان ومعظم جنوب شرق آسيا "فيتنام هي استثناء رئيس" وأستراليا ونيوزيلندا ومعظم أرجاء الأمريكتين.
إن هذه القوانين عادة ما تحرم كلا من القسوة السادية والضرب الوحشي وإن كانت هناك اختلافات على نطاق واسع في التطبيق، ونظرا إلى أن المواقف من الحيوانات أيضا تختلف على نطاق واسع فإن الحيوانات تلقى معاملة أفضل في بعض الدول بدون حماية قانونية مقارنة بدول أخرى تعد القسوة فيها غير قانونية.
لنأخذ على سبيل المثال الدول المتقدمة، حيث يمثل استغلال الحيوانات لأغراض تجارية مشكلة أكبر بكثير. في جميع أنحاء العالم، يتم قتل أكثر من 70 مليارا من الفقاريات البرية من أجل الغذاء كل عام، وتعيش 90 في المائة منها حياتها بأكملها داخل مزارع تأتي على شكل مصانع، وعلى الرغم من أن عددا قليلا من الولايات القضائية، خاصة الاتحاد الأوروبي، تحظر أكثر أشكال الاحتجاز قسوة، إلا أنه في معظم أنحاء العالم لا توجد عوائق أمام معاملة الحيوانات بأي طريقة تؤدي إلى زيادة الربح إلى أقصى حد، علما بأنه من شأن اتفاقية مقترحة للأمم المتحدة بشأن صحة الحيوان وحمايته أن تساعد على معالجة هذا الوضع.
في الطاحونة التي يصفها أبوليوس تمت زيادة الأرباح من خلال جعل الحمير والخيول العاملة إضافة إلى العبيد من البشر يعملون حتى يصبحوا على وشك الموت، ولو أن بعض الحيوانات "أو العبيد" مات بالفعل، فإن استبدالهم كان أرخص من تحسين ظروف العمل التي قتلتهم.
وبالمثل، عندما تقرر الشركات الزراعية العملاقة أعداد الحيوانات التي تتجمع داخل حظائرها الضخمة، فهي تعلم أن مستوى الازدحام الذي يتسبب في أقل عدد من الحيوانات النافقة قبل أن تصل إلى وزن السوق هو ليس المستوى الأكثر ربحية، علما بأن المعيار الأخير أي وزن السوق هو المعيار الذي ستختاره تلك الشركات، ونتيجة لذلك يعيش أكثر من 60 مليار حيوان سنويا حياة بائسة مع المعاناة من الازدحام في المزارع التي هي على شكل مصانع، قبل أن يتم اقتيادها في شاحنات من أجل الذبح.
إن معيار غاندي للحكم على عظمة أمة ما وتقدمها الأخلاقي لا يقتصر على سوء معاملة الحيوانات بشكل سادي أو وحشي، بل إن هذا المعيار يشير فقط إلى الطريقة التي تتم بها معاملة حيوانات أمة ما، وعلى أساس هذا المقياس وطالما نبقي على معظم الحيوانات التي نتحكم في حياتها من الولادة حتى الممات في مثل تلك الظروف المريعة، فنحن لا نستطيع أن ندعي أننا حققنا تقدما أخلاقيا كبيرا منذ عصر أبوليوس.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية