Author

هل يمكن تدويل اليوان الرقمي؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

تراقب الولايات المتحدة مخاطر نجاح تجربة الصين لإصدار عملة افتراضية خارج النظام المالي العالمي، ولا سيما أن العملة الافتراضية، أو ما يعرف بـ"اليوان الرقمي"، تعمل حاليا في بيئة تجريبية sandbox داخل الاقتصاد الصيني، وتم استخدام العملة الافتراضية لدفع تذاكر موظفين حكوميين وسداد مدفوعات لمشتريات استهلاكية من محال صينية وأجنبية داخل الصين، وكل تلك العمليات لا تزال في إطار محدود ولغايات التجربة والاختبار وضمن نطاق تحويل الأموال رقميا، دون أن تظهر أي نية للتلاعب بسعر الصرف أو تحريك السياسات النقدية الأخرى، إلا أن اللافت في الأمر أن الصين لها علاقات تعاون مع بعض الدول خارج نطاق الصين لتجربة العملة الرقمية، في الوقت ذاته لا يمكننا تجاهل أن معظم البنوك المركزية حول العالم تستعد للجيل الجديد من النقود، أو ما يعرف بالعملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية.
ما سر شغفهم لإصدار عملة رقمية؟ وإذا نجح الصينيون في التحجج بتسهيل التجارة الصينية داخليا ودوليا، فهل هناك تأثيرات في النظام المالي العالمي؟
أولا: تطور النقود مر بمراحل متعدد، من المقايضة كنقود سلعية والذهب والفضة، إلى النقود الورقية، ثم النقود الرقمية في حسابات المصارف، وصولا إلى أموال التيسير الكمي، التي تعد نقودا رقيمة غير مشفرة تودع في حسابات البنوك التجارية من الحكومات، مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان. لذا، فالنقود المشفرة الحديثة المبنية على تقنية سلسلة الكتل Blockchain، ليست إلا تطورا طبيعيا للنقود، ولا سيما في عصر التقنية والاقتصاد الرقمي.
ثانيا: حال نجاح الصين في تدويل اليوان رقميا، فإن الاقتصاد العالمي أمام مرحلة جديدة من تداعيات ستغير من قواعد اللعبة في النظام المالي العالمي، ولا سيما أن اقتصاد الصين مدعوم بتجارة ضخمة تمكنه نظريا من قبول مدفوعات بطرق حديثة بعيدا الدولار كوسيط في التجارة الدولية.
ثالثا: ستتأثر السياسات النقدية العالمية، خصوصا سعر الفائدة وتقييم الأصول بالدولار، وكلها ستشكل ضغطا على البنوك المركزية العالمية للتحرك نحو التخفيف من نسبة الدولار أمام العملات الأخرى كاحتياطيات أجنبية، ولعل أكبر مبرر عند محافظي البنوك المركزية أن الكتلة النقدية العالمية للدولار أصبحت أكثر من اللازم، بسبب التوسع في طباعة الدولار داخل أمريكا لتجاوز أزمة كوفيد - 19، وهذا أدى إلى تصدير التضخم عالميا.
رابعا: اليوم حديثي ليس عن خطورة العملات المشفرة على الأفراد قبل اعتمادها عالميا، إنما حول فرص نشوء نظام نقدي رقمي عالمي متوافق مع الاقتصاد الرقمي. لذا، فإن فرص تدويل عملات للبنوك المركزية ستكون واقعا وبطريقة غير مركزية، وسيكون العالم أمام تحديات غير مسبوقة، ناتجة من مقاومة أمريكا ومحاولتها منع زعزعة الدولار وفقدان دوره السيادي في تسعير السلع الأساسية والنفط والتجارة الدولية بالدولار الأمريكي. وفي الختام، لا أخفيكم أن المملكة والإمارات تحضران لهذا التحول العالمي القادم - إن حصل.
إنشرها