Author

تكرار الأخطاء .. معادلة الخسائر

|

* أستاذ هندسة الاتصالات المشارك

أثناء حديث عفوي مع صديق لي حول بعض المشاريع المتعثرة رغم المحاولات المتكررة لتحقيق نتائج إيجابية، ذكر في معرض حديثه ألا نتوقع نتائج مختلفة عند تكرار المحاولة نفسها بحذافيرها. لقد استوقفني حديثه، وبالفعل من غير المنطقي أن نعاود عمل الشيء نفسه ونتوقع حدوث شيء مغاير. وهذا قادني إلى استحضار مقولة لألبرت أينشتاين: "الجنون هو تكرار الأمر ذاته وتوقع الحصول على نتائج مختلفة". فمعاودة ارتكاب الخطأ نفسه مرة بعد مرة يتحول من مسألة اعتباره خطأ إلى كونه إصرارا على اتخاذ القرار نفسه. لكن ما الذي يدفع البعض لارتكاب الأخطاء نفسها وعدم الاستفادة من تجاربهم السابقة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات والشركات؟.
على المستوى الشخصي، من الأسباب الجلية في تكرارنا الأخطاء هو صعوبة إدراكنا فعلا أننا نرتكب خطأ. قد يتولد لدينا شعور بأن ما نعمله صحيح وملائم لكن يتخلله بعض المصاعب والتحديات التي تحول دون تحقق النتائج المطلوبة في وقت أسرع، بينما الواقع يجسد أن المسار الذي نتجه فيه أو الأعمال التي ننجزها بالطريقة نفسها تقع في دائرة الخطأ. من الأسباب لتكرار الأخطاء نفسها كثرة المشاغل والتوهان في دوامة الحياة بشكل يجعلنا لا نعي بشكل كامل تفاصيل ما نقوم به. أيضا البعض لا ينظر إلى الماضي ويتعلم من الدروس والتجارب التي مرت به، فيفوت على نفسه الفرصة لتفادي الأخطاء وتكرار التجارب الخاطئة نفسها. يضاف إلى ذلك العادات والممارسات التي اعتدناها تدفعنا غالبا لعمل المحاولات نفسها بالأسلوب والنسق أنفسهما. كذلك التعنت أو العناد من الصفات السلبية التي تحجب عن صاحبها رؤية النور في نهاية النفق، وتوقعه في شرك أخطائه.
أما على مستوى الشركات والمؤسسات، فإن تفادي تكرار الأخطاء يتسم بالصعوبة لتعقيدات وحجم الأعمال، وعدم مرونة وصول المعلومات في الهياكل التنظيمية الكبيرة. في الشركات التي لا تتسم بالشفافية والتواصل الفعال بين الإدارات وموظفيها قد تلجأ على سبيل المثال لتجاهل الأخطاء والأزمات خوفا على سمعتها. وفي أفضل الأحوال، قد تستجيب المؤسسات لتلك الأخطاء أو الأزمات، لكن بصورة بطيئة أو مستعجلة جدا متجاوزة ممارسات تصحيح الأخطاء المتبعة في تلك الحالات. أما بالنسبة للشركات التي تطبق أعلى معايير الشفافية وحوكمة عملياتها، فقد تتفادى تكرار أخطائها لفترة من الزمن، لكن مع التقادم واستطالة الأمد قد يتحول التركيز إلى المسائل التجارية كتعزيز الربحية وتحقيق المستهدفات الاستثمارية.
من الأمثلة على تكرار الأخطاء المنهجية التي تسببت في خسائر فادحة بسبب تغير التركيز مع تقادم الزمن، ما حدث للمكوك الفضائي "تشالنجر" عام 1986 الذي انفجر بعيد انطلاقه بـ 73 ثانية، بسبب خلل في الحلقات المطاطية المثبتة بالمكوك. واستجابة لذلك الحادث المؤلم، راجعت وكالة ناسا إجراءاتها الداخلية وعززت من تدابير السلامة لضمان عدم تكرار ذلك الخطأ. لكن في عام 2003، انفجرت المركبة الفضائية كولومبيا، بسبب خلل فني في العازل الحراري أثناء عودتها للأرض. تظل الأسباب الفنية المسببة للحادثتين مختلفة، لكن يعزو الخبراء السبب في ذلك إلى التغير في التركيز على مسائل السلامة إلى مسائل أخرى مع تباعد الفترة الزمنية بين الواقعتين. عموما تتساوى النتائج مع الطرف الآخر من المعادلة إذا كانت تحوي المدخلات أو التجارب والممارسات نفسها، وتوقع خلاف ذلك ضرب من الجنون.
إنشرها