مستقبل أوروبا الرقمي والتحديات «3 من 3»

يعد الذكاء الاصطناعي أحد مجالات الإبداع المهمة الذي سيشكل ضرورة أساسية في سعي أوروبا إلى تحقيق السيادة الرقمية والازدهار الاقتصادي. وهنا أيضا اقترح الاتحاد الأوروبي ضوابط تنظيمية رائدة، قانون الذكاء الاصطناعي، لتشجيع استيعاب الذكاء الاصطناعي، وحماية المستهلكين والمواطنين الأوروبيين من المخاطر المصاحبة له.
قد يبدو هذا التصريح غريبا، لكن الهدف من التنظيم هو احتضان الذكاء الاصطناعي بشكل كامل. هكذا يصبح بوسعنا أن نضمن شعور العملاء بالأمان وشعور أولئك الذين ينشرون التكنولوجيا بالارتياح في البيئة التنظيمية. يجسد قانون الذكاء الاصطناعي استعارة الهرم. فعند القاعدة، هناك عديد من الأشياء التي لا يمسها التنظيم. وعلى المستوى التالي - روبوت محادثة على موقع على الإنترنت، على سبيل المثال - نجد أن الشرط الوحيد اللازم هو أن يكون التفاعل شفافا: إذ يجب أن يعلم الناس أنهم يتفاعلون مع رموز رقمية. ثم يصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما نقترب من قمة الهرم، فهناك نجد التكنولوجيات التي قد تشكل تهديدا لقيمنا الأساسية. وشهدنا بالفعل حالات حيث تبين أن الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه الخدمات الاجتماعية أو أجهزة إنفاذ القانون متحيز. وعندما يتعلق الأمر بالشؤون الاجتماعية، فإنك تريد أن ترى كما أنت حقا، وليس كمجرد تكرار لنوع اجتماعي، أو عرق، أو خلفية اجتماعية بعينها. لذلك، يشترط التنظيم أن تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في اتخاذ القرار بشأن التوظيف، والرهن العقاري، وما إلى ذلك، مبنية على أساس بيانات عالية الجودة. يجب أن تكون القرارات قابلة للتفسير، ويجب أن تشتمل الحلقة على عنصر بشري، ولا بد من الاستعانة بالتدابير الأكثر صرامة في إدارة الأمن السيبراني. من خلال ضمان مستوى أساسي من الثقة يجب أن يكون التنظيم عامل تمكين للسوق. ويجب أن يكون بوسع الناس أن يقولوا: "نريد استخدام هذه الخدمة لأننا على ثقة من مراعاتها التامة للأساسيات". عند أعلى قمة الهرم نجد حالات حيث يمكننا أن نقول ببساطة: "هذا غير ممكن. هذا يتعارض مع قيمنا". هنا، أفكر في أشياء مثل تحديد الهوية بالاستدلال الحيوي عن بعد في الأماكن العامة، مع ابتكار الحكومات سبل التقييم الاجتماعي للأفراد. مثل هذه الأمور يجب أن تحظر ربما باستثناء استخدام تحديد الهوية بالاستدلال الحيوي عن بعد لفترة محدودة لمنع هجوم إرهابي وشيك أو البحث عن طفل مفقود.
مرة أخرى، المقصود هنا يتلخص في تمكين أفضل استخدامات للتكنولوجيا. للقيام بهذا، يتعين علينا أن نركز على حالات محددة والمخاطر المرتبطة بها لضمان التناسب. ويجب أن نضع في الحسبان جميع الأشياء المدهشة التي يساعدنا الذكاء الاصطناعي بالفعل على القيام بها وسيساعدنا على القيام بها في المستقبل. ينبغي لنا أن نعمل على تمكين الإبداع فيما يتصل بهذه الاستخدامات، وتساعدنا الضوابط التنظيمية على القيام بهذا من خلال صنع الثقة اللازمة لفتح السوق. أما بيئة الذكاء الاصطناعي التي تفتقر تماما إلى التنظيم، فهي ليست ما يمنحنا أفضل ما في الإبداع والابتكار.
يتعين علينا أيضا أن نعمل على فتح التمويل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وفي متابعة الاقتراح التنظيمي، أصدرنا أيضا خطة جديدة منسقة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، حيث يصبح من الممكن تخصيص مزيد من الأموال للإبداع والابتكار في هذا المجال. يدعم الذكاء الاصطناعي أيضا الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي لتحديد أي خطاب يجري تضخيمه أو إسكاته. ويبدو أن قانون الخدمات الرقمية DSA، الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي أخيرا يهدف إلى تقديم مزيد من الشفافية والمساءلة في هذا الصدد. هذا القرار يخص الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لا يتعلق قانون الخدمات الرقمية بالمحتوى، بل بالإجراءات اللازمة لضمان عمل الخدمات الرقمية على نحو يدعم القرارات المتخذة في ديمقراطياتنا حول ما هو قانوني أو غير قانوني. فمثلا، ستتخذ الدول الأعضاء المختلفة قرارات مختلفة بشأن خطاب الكراهية. وسيكون بعضها صارما للغاية، وبعضها أقل صرامة، اعتمادا على عدد من العوامل، مثل القضايا الثقافية وكيفية إدارة الدولة لخطابها العام. وبمقارنة الدنماركيين والسويديين فقط، نتوقع طريقتين مختلفتين تماما. سيشترط قانون الخدمات الرقمية شيئين على المنصات. أولا، سيتعين عليها إنشاء آلية للمستخدمين من أجل تقديم الشكاوى أو طلب الإنصاف إذا أزيلت منشوراتهم أو ملفاتهم الشخصية بالكامل. بهذه الطريقة لن تبدو هذه القرارات أحادية الجانب. ثانيا، سيتطلب القانون تقديم تقييمات مخاطر عامة. وسيتعين على شركات التكنولوجيا أن تسأل نفسها إذا ما كانت منصاتها تجلب تهديدات للديمقراطية، وما الذي يمكنها فعله للتخفيف من حدة هذه المخاطر.
تذكري أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تعمل بمنزلة عامل تمكين كبير للديمقراطية، وبإمكانها أن تفعل العكس أيضا. على سبيل المثال، أعمل مع برنامج يهدف إلى مساعدة مزيد من النساء على الانخراط في السياسة، والمشكلة المتكررة التي تواجهنا هي خطاب الكراهية عبر الإنترنت والمضايقات التي تهدف بوضوح إلى تثبيط مشاركة المرأة. في الوقت ذاته، توجد هذه المنصات فرصا للأشخاص كي يعبروا عن أفكارهم ويتفاعلوا مع الآخرين. في النهاية، أعتقد أن الديمقراطية الكاملة ستحمل جانبا ماديا وجانبا افتراضيا. ونحن بحاجة إلى التأكد من أن يعمل الجانب الافتراضي على تعزيز ديمقراطيتنا، وليس تقويضها.
من أصعب الأسئلة المطروحة مسألة أين نرسم الخط الفاصل بين حرية التعبير الراسخة وتقليص خطاب الكراهية الذي يقوض الكرامة والديمقراطية في حد ذاتها؟ في الولايات المتحدة، حيث اعتاد الناس على تبني مفهوم واسع للغاية لحرية التعبير، أصبح كثيرون غير مرتاحين بسبب الافتقار إلى وجود حدود للتعبير على الإنترنت. لكن في الوقت ذاته، توجه اعتراضات قوية ضد فكرة تنظيم الخطاب من قبل الحكومة أو شركة خاصة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي