Author

إقرار «عالمي» وسؤال محلي

|
هناك ميل بشري للإنكار، نراه فيمن يدخنون مثلا مع معرفتهم بخطر التدخين، ويأكلون ما يضر مع كثرة تحذيرهم منه، فهل هذا تجاهل للخطر؟ أم عدم القدرة على تفهم الخطر الحقيقي؟ وهل هناك قوى أخرى تؤثر فيهم كالحاجة إلى التقبل الاجتماعي عبر الانخراط فيما ينخرط فيه من حولهم؟
تختلف الرؤية الشخصية من إنسان لآخر حول القدرة على تبرير العادات غير الصحية، وتستغرب أحيانا كيف يتحرك مجموعة كبيرة من الناس نحو تدمير الصحة مثلا، أو النفس، بدلا من أن يرغبوا في لياقة أعلى وصحة أوفر، وبإذن الله عمر أطول.
هذا ما خطر لي عند قراءة عنوان الاقتصادية قبل أيام، الذي تقر فيه عملاق الأغذية العالمي شركة نستله بالقول، "أغلبية منتجاتنا الغذائية غير صحية" وهو تصريح خطير ولا أعرف إذا كان يمكن اعتباره ثقة من الشركة أن هذا العنوان سيمضي وسيظل الناس يمارسون عاداتهم الغذائية غير الصحية.
تجربتنا المعيشية كبشر، تقول: إن الناس لا يغيرون عاداتهم السيئة، ليس بسبب عدم درايتهم بخطر ذلك، ولكنه الميل إلى عيش الحاضر والمستقبل القريب بدلا من التفكير في المستقبل الأبعد، وبعبارة أخرى عيش اللحظة، والاستمتاع، وفي حالات معينة التسويف بأنهم سيفعلون الأفضل مستقبلا، وفي الأغلب لا يفعلون.
قاعدة: "كل الناس تفعل ذلك ولم يصبهم شيء" تؤثر في التعامل مع ما يضر صحتنا من عادات، أو مأكل، أو أسلوب حياة، وتجعل من يبرر لنفسه يقول: إنه لم يصبه شيء، وإن عائلة فلان تأكل معلبات غير صحية منذ عقود ولم تصب بشيء.
إحدى الاحتمالات التي أراها هي تعامل الدوائر الصحية والطبية، وجميع من يصدر المؤشرات بالأرقام والنسب المئوية، وهكذا فعلت الشركة أعلاه فهي حددت نسبا معينة لقطاعات معينة، فتظل مخيلة البعض مرتبطة بأنهم ضمن النسبة الأخرى، أي تلك التي لا تشملها المخاطر أو الأضرار.
الآن ستراهن الشركة على نسيان الناس، وستؤسس خطابها في المستقبل على هذا النسيان، والناس في الحقيقة لا تنسى، لكنها تتناسى في سبيل "شراء الدماغ"، وتعليل النفس أن التفاؤل خير من التشاؤم، وإذا ذهب بعضهم أبعد قال: "الموت مع الجماعة رحمة".
الآن السؤال الأهم وقد تطورت صناعتنا الغذائية ولدينا عمالقة في هذا القطاع في السعودية، من من شركاتنا يجرؤ على مصارحتنا بنسب الأغذية الصحية وغير الصحية بناء على المعايير العالمية نفسها التي قاست بها "نستله"؟!، وأحسب أن ذلك يشمل المستوردين الذي يستوردون من كل مكان.
إنشرها