Author

حرب عالمية على جبهة الضرائب

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"هناك عشرات الشركات الكبرى لم تدفع سنتا واحدا كضريبة دخل"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
السبت الماضي، أقدمت دول مجموعة السبع على خطوة تاريخية كانت حتى وقت قريب بعيدة المنال. خطوة تغير بعضا من المعايير التي تتبعها الشركات الكبرى أو تلك التي توصف بالعابرة للقارات. فقد وقع وزراء المالية في هذه المجموعة في اجتماعهم في بريطانيا، على صفقة لمواجهة التهرب الضريبي من الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات. الدول السبع اتفقت على فرض ضريبة دخل دولية على هذه المؤسسات لأول مرة على الإطلاق. الخطوة غير عادية بالطبع، ولم تكن متوقعة تماما، إلا أنها أصبحت حقيقة واقعة. فعلى الشركات أن تدفع على الأقل 15 في المائة كضريبة دخل في الدول التي تدير عملياتها فيها. والحق: إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، عرض أن تكون هذه الضريبة 21 في المائة، إلا أنه قرر التراجع عن عرضه هذا والموافقة على 15 في المائة كي تكون مقبولة من جميع الجهات المستهدفة.
لا مجال للتهرب الضريبي بعد الآن، خصوصا أن الاتحاد الأوروبي الذي يشترك في مجموعة السبع بأغلب دولها وافق قبل ساعات قليلة من قرار المجموعة، على قواعد لإجبار الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، على الكشف عن الأماكن التي تجني فيها الأرباح وتدفع الضرائب عليها. فالأوروبيون كما الأمريكيون يشنون حملة ليست جديدة لتضييق الخناق على التهرب الضريبي. حتى إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، المعروفة بصداقتها الحميمة لهذه الشركات، عملت على دفعها لتقديم ضرائب أعلى إلى درجة أن ترمب شخصيا طالب بضرورة نقل الشركات الأمريكية الكبرى عملياتها إلى الولايات المتحدة من الخارج، أو ما يعرف بالملاذات الضريبية، بما فيها تلك التي تتخذ من الصين مقار أساسية لها. فهناك شركات لم تدفع أي ضرائب على مدى أعوام، وعليها أن تدخل النظام الضريبي بصفة فورية.
ويشكل سعي ترمب للضغط على الشركات المستهدفة في المجال الضريبي، مؤشرا مهما للغاية، على اعتبار أن إدارته قامت فور وصولها إلى البيت الأبيض، بخفض الضريبة على الشركات من 35 إلى 21 في المائة. فإذا كان الصديق لم يتحمل التهرب الضريبي المفضوح، فكيف الحال بالسياسيين الذين لا يعدون أصدقاء للمؤسسات والشركات الكبرى؟ الدائرة تضيق على الشركات المشار إليها، وهناك قوانين ستصدر تباعا خلال العقد الحالي، خصوصا في ظل سعي الحكومات حول العالم لسد العجز في موازناتها العامة الذي ارتفع إلى معدلات تاريخية، في أعقاب ضخ حزم الإنقاذ الأخيرة في مواجهة أضرار وباء كورونا المستجد على الساحتين الاجتماعية والاقتصادية. بعض الدول المتقدمة فاقت ديونها العامة ناتجها المحلي الإجمالي، ولا تزال تسير في طريق الإنقاذ إلى أن تستكمل مرحلة التعافي المأمولة.
المصيبة التي تواجه الشركات التي اعتادت على التهرب الضريبي حاليا، أنها لم تعد تستطيع الاختباء بالفعل حتى ولو كانت في مناطق يصعب الوصول إليها. فأدوات الملاحقة صارت أكثر تقدما ومتاحة لجميع الدول. من هنا يمكن فهم ما قاله ريتشي سوناك وزير المالية البريطاني، في اجتماع مجموعة السبع: "في اقتصاد معلوم ورقمي ومتشعب، لا يمكننا أن نستمر في الاعتماد على نظام ضريبي، صمم جزء كبير منه في عشرينيات القرن الماضي". ولا شك أن العجز الحكومي على مستوى العالم، أعطى دفعا قويا لمسيرة ملاحقة المؤسسات المتهربة ضريبيا، حتى الأفراد. فعندما تكون هناك حاجة ملحة وطارئة إلى الأموال، ترتفع حدة البحث في الدفاتر القديمة أو المنسية أو المختفية.
وفق منظمة "شبكة العدالة الضريبية" غير الحكومية، فإن التهرب الضريبي من جانب الشركات والأفراد يكلف الحكومات 427 مليار دولار، لمصلحة الملاذات الضريبية، أو الدول غير المتشددة من الجانب الضريبي. وتؤكد المنظمة أن خسائر دول أوروبا مثلا تبلغ سنويا 184 مليار دولار أو ما يوازي 12.6 في المائة من ميزانياتها المخصصة للصحة. صحيح أن الدول المتقدمة تتصدر قائمة الدول الأكثر تعرضا للخسائر في هذا المجال، لكن الصحيح أيضا أن بقية الدول تواجه نقصا في الدعم والمساعدات بسبب تراجع العوائد الحكومية في الدول الغربية خصوصا. أي إن الأضرار تصيب الجميع. ويبدو واضحا، أن وصول إدارة ديمقراطية إلى البيت الأبيض أسهم أيضا في تسريع عملية الوصول إلى الشركات المتهربة ضريبيا، ودفع حكومات متساهلة إلى تغيير سلوكياتها.
المرحلة المقبلة ستشهد تحولا كبيرا على صعيد الضرائب. ففرض ضريبة دولية على المؤسسات الكبرى، لا يترك لها مجالا للمناورة، وبعض القرارات التي تتخذها الدول المؤثرة في هذا المجال، تنشر المخاوف في أوساط بعض الدول الصغيرة التي اعتادت على احتضان شركات كبرى ومؤسسات مالية ومصارف، من فرض عقوبات عليها. ولذلك فإن تعاونها سيسهم في تسريع عملية السيطرة على الضرائب الواجبة على شركات متعددة الجنسيات لم يدفع بعضها دولارا واحدا كضرائب منذ تأسيسها، بما في ذلك مؤسسات تتمتع بأسماء رنانة. إنها مرحلة الملاحقات الضريبية التي زادت قوتها وزخمها لتغطية تكاليف كورونا ولسد العجز المعهود للموازنات العامة.
إنشرها