مستقبل أوروبا الرقمي والتحديات «2 من 3»
عندما نتحدث عن شركات التكنولوجيا الكبرى، نشير دائما تقريبا إلى الشركات الأمريكية. وعلى هذا فقد أصبح بعض الناس في الولايات المتحدة ينظرون إلى تصرفات الاتحاد الأوروبي على أنها شكل من أشكال سياسات الحماية، التي يدفعها الحسد.
وعندما ننظر إلى الحقائق والقضايا والأسواق، من الصعب للغاية حقا أن نجد أي دعم لقصة الحسد هذه. فقد بدأت القضية الأولى - ضد خدمة "جوجل" للتسوق - بشكوى من شركات أمريكية، وجد عديد منها أنها لا يمكنها ممارسة الأعمال التي تريد ممارستها في سوق الاتحاد الأوروبية. علاوة على ذلك، إذا نظرنا إلى عدد الشركات الأوروبية التي اشترتها شركات التكنولوجيا العملاقة على مدار العامين الأخيرين، سيتبين لنا أنها - يا للعجب - قادمة إلى أوروبا من أجل الإبداع الحادث هنا.
لماذا إذن لا نجد عمالقة أوروبيين في قطاع الأعمال إلى المستهلك في الاقتصاد الرقمي؟ أحد الأسباب وراء هذا أننا كنا نفتقر إلى سوق رقمية موحدة وسوق رأس المال اللازمة لتمكين ذلك النوع من التوسع. كنا نبذل قصارى جهدنا لتصحيح كل أوجه القصور، وستمهد هذه الجهود الطريق أمام مرحلة ثانية من التحول الرقمي - الرقمنة الصناعية - التي ستتمحور حول الصحة، والطاقة، والنقل، والزراعة، والخدمات العامة، حيث تتمتع الأسواق الأوروبية بقوة بالغة. والآن يمكننا أن نشهد بالفعل قدرا كبيرا من الطلب على الإبداع هنا، ولهذا سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيكون أداء أوروبا.
لكن عندما تذهب شركات أجنبية للتسوق في أوروبا، فإنها تتلقى في بعض الأحيان إعانات الدعم من الدولة، ما يثير المخاوف بشأن سلامة السوق الموحدة وتكافؤ الفرص. للتخفيف من هذا، كشفت المفوضية الأوروبية أخيرا عن اقتراح يقضي بتنظيم إعانات الدعم الأجنبية التي تدعم شركات أجنبية عاملة في الاتحاد الأوروبي، أو حتى تمول استحواذها على شركات أوروبية.
ما نريد تحقيقه هو الإنصاف. كان الاتحاد الأوروبي يسيطر على مساعدات الدولة لمدة 60 عاما حتى لا تؤدي هذه المساعدات إلى ساحة لعب غير متكافئة أو تؤثر في التجارة. وهذا أمر تتعايش معه الشركات الأوروبية. لكن الأمر لا يخلو من مشكلة حقيقة عندما يكون لها منافسون قادرون على الاستحواذ على شركات أوروبية أو الفوز بعطاءات بمساعدة من دعم حكومي أجنبي، أو حتى الاعتماد على الإعانات الحكومية لتغطية تكاليف التشغيل. وهذه ليست منافسة عادلة.
ما نقترحه هنا هو مجرد أداة تسمح لنا بالنظر في هذه القضايا، لنقول، "يتعين عليك أن تخطرنا إذا كانت لديك إعانات دعم على دفاترك عندما تسعى إلى الاستحواذ على شركة أوروبية أو المشاركة في عملية مناقصة أوروبية". إذا فشلت شركة ما في القيام بذلك، فينبغي لنا أن نملك القدرة على أن نقول لها، "إذا تلقينا معلومات من السوق، أو إذا اشتكى أحد، أو اعتقدنا أن شيئا ما ليس على ما يرام هنا، فمن حقنا أن نستقصي الأمر".
ليس من السهل دائما اكتساب تعاون أحد الأطراف، ولهذا نقترح أننا يجب أن نكون قادرين على اتخاذ القرار استنادا إلى أي معلومات متاحة لدينا. بهذه الطريقة، يصبح لدى الأطراف المعنية الحافز لتزويدنا بمزيد من المعلومات، حتى يتسنى لنا تقييم كل الأدلة حول التأثير الذي تخلفه إعانة دعم بعينها. الأمل هنا أن يعمل هذا كرادع. وأفضل نتيجة ممكنة هي أن يكون السبب وراء قدوم الشركات إلى هنا لمزاولة الأعمال هو أنها تريد حقا مزاولة الأعمال وليس الدفع بأجندة أخرى.
نحن نعلم أن من المرجح أن يتأثر عديد من الشركات الصينية بهذا التنظيم. لكن من المهم أيضا أن نقول: إن هذا يتعلق بضمان العدالة في السوق الأوروبية. يعكس عديد من سمات الاقتراح تفكيرنا حول الضوابط التي تحكم مساعدات الدولة التي تفرض على الدول الأعضاء الأوروبية. ونأمل أن يرى الناس أن الاقتراح متناسب ومتوازن.
تشير هذه المناقشة إلى مفهوم أوسع أصبح من التعبيرات الشائعة في أيامنا هذه: فكرة الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية والسيادة الرقمية. يدور الآن قدر كبير من الجدال حول ما تعنيه هذه المصطلحات.
رغم المجازفة بتعقيد الأمور، يمكننا أن نسمى هذا في واقع الأمر "استقلالية استراتيجية مفتوحة". ما تعلمناه على مدار عقود من الزمن هو أن جزءا كبيرا من قوة أوروبا يأتي من انفتاحها. أوروبا هي الشريك التجاري المفضل لـ 74 دولة. نحن نعمل مع أشخاص من مختلف أنحاء كوكب الأرض في مجالات الأعمال، والبحث، والإبداع، وعديد من المجالات الأخرى.
لكن العالم يتغير. مع ظهور أنماط جيوسياسية جديدة، يتعين علينا أن نعمل على إيجاد أفضل الطرق لمواصلة خدمة المصالح الأوروبية. يجري هذا عادة بطريقة عالمية أو متعددة الأطراف. على سبيل المثال، من مصلحة أوروبا أن تعمل منظمة التجارة العالمية على النحو اللائق، وأن تحافظ أوروبا على تحالفات قوية راسخة داخل الاتحاد الدولي للاتصالات. لكن في مجالات أخرى، تكون مصالحنا أقرب إلى الوطن. على سبيل المثال، ينتج 10 في المائة فقط من كل أشباه الموصلات حاليا في أوروبا، ونحن نريد زيادة هذا الرقم إلى 20 في المائة "من أكثر الأنواع تقدما" خلال الأعوام العشرة المقبلة. لا تعني الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة أن تقوم بكل شيء بنفسك، بل تعني القيام بمزيد من العمل. الواقع: إن أوروبا آلة ضخمة إلى الحد الذي يصعب معه تنظيمها. ومن الأهمية بمكان لهذا السبب أن تكون لدينا الخبرة العملية اللازمة للتعرف بشكل جيد على ما نقوم بتنظيمه. هذا هو تصوري للسيادة الرقمية.
لكن من المهم أن نعكف على بلورة وتبسيط هذا المفهوم بشكل أفضل. فمن غير الممكن أن يظل محصورا في مناقشة مجردة رفيعة المستوى إلى أجل غير مسمى. ما يهم هو ما نقوم به بشكل ملموس، سواء كان ذلك بتحديد أهداف لأشباه الموصلات المتقدمة، أو بناء شبكة خاصة بنا من أجهزة الكمبيوتر عالية الأداء، أو إطلاق كمبيوتر كمومي واحد على الأقل في غضون الأعوام الخمسة المقبلة... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.
.