قدرات أوروبا الاقتصادية ضالة واشنطن لمواجهة صعود بكين

قدرات أوروبا الاقتصادية ضالة واشنطن لمواجهة صعود بكين
التركيز على صياغة مواقف متكاملة لرصد الطموحات الصينية والتصدي لها.

خلال الأيام القليلة المقبلة يتوجه الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أوروبا في أول جولة خارجية له منذ توليه المنصب في كانون الثاني (يناير) الماضي.
وفي هذه الجولة التي تبدأ هذا الأسبوع، سيزور بايدن بريطانيا وبلجيكا وسويسرا لحضور قمم مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ثم قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" والقمة الأمريكية الأوروبية، إلى جانب قمة ثنائية بريطانية أمريكية ثم القمة الأمريكية الروسية في جنيف.
ويقول جيمس ستافريدس الأدميرال الأمريكي المتقاعد والخبير الاستراتيجي في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء "إن بايدن سيسعى خلال هذه الجولة إلى إعادة الدفء للعلاقات الأمريكية الأوروبية التي عانت صعوبات شديدة خلال أعوام حكم سلفه دونالد ترمب".
ومن الطبيعي أن يرغب بايدن في الحديث مع حلفائه الأوروبيين عن فيروس كورونا المستجد، والتغير المناخي، والطموحات النووية لإيران وانسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان. لكن على رأس هذه القضايا ستأتي قضية كيف يمكن للولايات المتحدة وأوروبا العمل معا لمواجهة الصين.
ومع استمرار توسع مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية على مستوى العالم، واستمرار تنامي القدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية للصين، فإنها ستعترض الولايات المتحدة في أماكن عديدة، بحسب ستافريدس مؤلف رواية "2034: الحرب العالمية التالية"، الأكثر مبيعا.
وبالنظر إلى الحجم المتوقع والتقدم التكنولوجي الهائل للصين خلال العقد الحالي، ستحتاج الولايات المتحدة إلى شبكة قوية جدا من الحلفاء والشركاء والأصدقاء للمساعدة على توفير التوازن مع صعود بكين. فمن الواضح أن الصين تعمل على إعادة تشكيل النظام العالمي بطرق قد تلحق الضرر بالولايات المتحدة وأوروبا، حسب تحليل ستافريدس الذي نشرته "بلومبيرج".
والحقيقة أن أوروبا هي الوحيدة التي تملك الكتلة السكانية والموقع الجغرافي والقيم، وقبل كل ذلك القدرة الاقتصادية التي تحتاج إليها الولايات المتحدة لتحقيق الثقل المطلوب في ظل عودة أجواء الحرب الباردة. ومن المهم الإشارة إلى أن الصين تجتذب روسيا وإيران إلى جانبها لبناء شبكة حلفاء لها.
إذن، ما الرسالة التي يجب أن يقدمها بايدن إلى حلفائه الأوروبيين بشأن مواجهة الصين وكيفية التعامل معها؟ يجيب ستافريدس عن هذا السؤال بالقول "إنه يجب البدء بقيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل"، مضيفا أنه "أثناء عمله كقائد عسكري لحلف الناتو لعدة أعوام، عمل بشكل وثيق مع أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية حاليا التي كانت وزيرا لدفاع ألمانيا في تلك الأعوام".
وأضاف أنها "درست الطب وعاشت في الولايات المتحدة لعدة أعوام عندما كان زوجها يقوم بالتدريس في جامعة ستانفورد، وهي تتمتع بنظرة جيواستراتيجية للأمور. كما أنها كانت قد تحدثت منذ خمسة أعوام عما تمثله الصين والهجمات السيبرانية من تحديات بالنسبة إلى الدول الغربية وضرورة تحديث قدرات حلف الناتو لمواجهة هذه المخاطر. لذلك من المهم أن يطور بايدن علاقة شخصية مباشرة مع فون دير لاين ومع ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف الناتو رئيس وزراء النرويج سابقا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فالعنصر الأساسي للتحالف الأمريكي الأوروبي في مواجهة الصين، يرتبط بمدى قدرة كل من الولايات المتحدة وأوروبا على تنسيق مواقفهما بشأن التجارة والتكنولوجيا. فالبعض في أوروبا يسعى إلى فرض قيود على القدرات الاقتصادية والتكنولوجية لكبرى الشركات الأمريكية من خلال "قانون الأسواق الرقمية"، ووفقا لهذا القانون فإن الشركات الأمريكية العملاقة في مجال التكنولوجيا ستواجه تحقيقات وتدخلات في أنشطتها في أوروبا، وهو ما يثير غضب الولايات المتحدة التي ردت بالتلويح بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية على الشركات والمنتجات الأوروبية".
ويرى ستافريدس الذي يشغل حاليا منصب المدير التنفيذي لمجموعة كارلايل الأمريكية للاستثمار أنه يمكن القفز على هذه الخلافات من خلال تفعيل الفكرة التي طرحها أوروبيون بالفعل وتشكيل "المجلس الأمريكي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا". ويمكن أن يركز هذا المجلس أو المنتدى على صياغة مواقف متكاملة لرصد الطموحات الصينية والتصدي لها.
وأخيرا يقول ستافريدس "إن الولايات المتحدة تتفوق على الصين من خلال تنوع وقدرات حلفائها وشركائها وأصدقائها على مستوى العالم، لكن أوروبا هي الشريك الوحيد الذي ستجد أمريكا معه القيم المشتركة والقدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجيا المطلوبة لمواجهة التهديد الصيني".
وبحسب "رويترز"، يمثل اجتماع بايدن وقادة دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى في قرية ساحلية إنجليزية بداية جديدة لحشد حلفاء الولايات المتحدة في مواجهة الخصوم المشتركين.. جائحة كوفيد - 19 وروسيا والصين.
وسيخيم انتشار سلالات جديدة من كوفيد - 19 وارتفاع حصيلة الوفيات في بعض الدول على التجمع الذي سينعقد من الجمعة حتى الأحد، إضافة إلى تغير المناخ وتعزيز سلاسل الإمداد العالمية وسبل الحفاظ على تفوق الغرب التكنولوجي على الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتعهد بايدن بإعادة بناء العلاقات مع الحلفاء بعد أربعة أعوام صعبة في تاريخ تلك العلاقات خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، الذي أوقف عضوية بلاده في عدة مؤسسات متعددة الأطراف وهدد في وقت من الأوقات بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي.
وكتب بايدن في مقال للرأي نشر في صحيفة "واشنطن بوست" السبت الماضي "في هذه الفترة التي يسودها عدم اليقين، ومع استمرار العالم في التصدي لجائحة تحدث مرة واحدة في القرن، تهدف هذه الرحلة إلى تجديد الالتزام الأمريكي حيال الحلفاء والشركاء".
وسيكون التجمع بمنزلة اختبار لشعار "أمريكا تعود" الذي تبناه بايدن، إذ ينتظر الحلفاء الذين أصابتهم خيبة الأمل في عهد ترمب أفعالا ملموسة.
وقال جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني السابق لشبكة "سي.إن.إن" أمس الأول "إنها لحظة بالغة الأهمية للولايات المتحدة والعالم".
وتساءل براون "هل سيعود التعاون الدولي أم أننا ما زلنا في عالم تسود فيه نزعات القومية والحماية والعزلة؟".
سيتصدر الملف الروسي اهتمام قمة مجموعة السبع في كورنوال في إنجلترا والأيام التي تليها أيضا عندما يجتمع بايدن مع قادة أوروبيين وحلفاء من حلف شمال الأطلسي في بروكسل قبل أن يتوجه إلى جنيف لعقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ودفعت وقائع مثل الهجوم الإلكتروني على شركة جيه.بي.إس، أكبر شركة لتعبئة اللحوم في العالم، على يد مجموعة إجرامية مقرها روسيا على الأرجح، ودعم بوتين المالي لروسيا البيضاء بعد أن أجبرت طائرة تابعة لشركة رايان إير على الهبوط كي تعتقل صحافيا معارضا كان على متنها، المسؤولين الأمريكيين إلى بحث اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
وتوصل وزراء مالية دول مجموعة السبع إلى اتفاق عالمي السبت الماضي يضع حدا أدنى لمعدل الضرائب على الشركات لا يقل عن 15 في المائة، وهو قرار من المحتمل أن يضر بشركات تكنولوجية كبرى مثل جوجل التابعة لألفابيت وفيسبوك وأمازون. ومن المقرر أن يعطي بايدن ونظراؤه هذا الاتفاق الموافقة النهائية في كورنوال.
وأعلنت إدارة بايدن الخميس الماضي خططا تفصيلية للتبرع بنحو 80 مليون جرعة من لقاحات الوقاية من كوفيد - 19 لدول العالم بحلول نهاية حزيران (يونيو). وتقول مصادر أمريكية ودبلوماسية "إن الإدارة الأمريكية تعتمد بشكل كبير على أن تحذو دول حليفة حذوها مع اقتراب الحصيلة العالمية لوفيات الجائحة من أربعة ملايين".
وغيرت واشنطن مسارها الشهر الماضي ودعمت مفاوضات في منظمة التجارة العالمية بشأن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية لتسريع وتيرة إنتاج اللقاحات في الدول النامية، ما أثار حفيظة ألمانيا وبريطانيا.
ويقول دبلوماسيون أوروبيون "إنهم لا يرون أرضية مشتركة تذكر في هذا الملف"، وحجتهم هي أن أي تسوية ضمن منظمة التجارة العالمية ستستغرق شهورا للانتهاء منها وتنفيذها.
وأعلن بايدن خططا في أيار (مايو) لإلزام المتعاقدين مع حكومة الولايات المتحدة والمؤسسات المالية بمزيد من الشفافية بشأن مخاطر استثماراتهم على جهود مكافحة تغير المناخ، ويضغط مسؤولون من الإدارة الأمريكية على دول أخرى لتبني خطط مماثلة.
وتريد بريطانيا أيضا من الحكومات أن تطلب من الشركات رفع تقارير عن مثل تلك المخاطر كوسيلة لدعم الاستثمار في المشاريع الصديقة للبيئة. لكن التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية المضي قدما في ذلك ليس مرجحا في حزيران (يونيو). لكن اتفاقا قد يتم خلال قمة للمناخ تعقدها الأمم المتحدة في جلاسكو في اسكتلندا في تشرين الثاني (نوفمبر).
كما أن هناك خلافات بين دول مجموعة السبع بشأن تسعير الكربون، الذي يعده صندوق النقد الدولي طريقة أساسية لمكافحة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وللقضاء على الانبعاثات الضارة بحلول عام 2050.

الأكثر قراءة