Author

الأسعار العادلة لتملك المساكن

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تعد أسعار الأراضي والمساكن مناسبة وعادلة كلما اقتربت من قدرة الدخل المتاح للمستهلك النهائي، وتبتعد عن ذلك الوصف كلما ارتفعت أسعارها السوقية إلى مستويات عالية تتجاوز تلك القدرة المالية للمستهلك، ويتم قياسها بعديد من المؤشرات التي من أشهرها وأكثرها استخداما مكرر متوسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي الدخل السنوي للفرد، وتقوم على احتساب عدد الأعوام اللازمة لامتلاك المسكن وفقا لإجمالي الدخل السنوي للفرد، وذلك بقسمة تكلفة التملك على إجمالي الدخل السنوي للفرد. ووفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها، كلما انخفضت قيمة هذا المكرر كانت الأسعار أقرب إلى العدالة، ويبلغ المعيار العالمي في هذا الخصوص نحو 3.0 مرات الذي يعني أن المستهلك أو المشتري لا يحتاج إلى أكثر من 3.0 أعوام لأجل امتلاك المسكن بناء على إجمالي دخله السنوي، وهو المعيار الذي يشير إلى عدالة الأسعار ومناسبتها، وأنها لا تعاني أشكال التضخم أو الغلاء، وقد يكون مقبولا في عديد من المناطق إقليميا لآجال محددة لا تمتد زمنا طويلا، لأسباب تتعلق بالأوضاع الاقتصادية فيها أن يرتفع ذلك المعدل إلى 5.0 مرات (أعوام)، على أن تقوم الأجهزة المعنية في تلك المناطق على وضع السياسات والبرامج اللازمة لأجل خفضه في الأجل الطويل إلى المعيار العالمي المتعارف عليه.
ولتتضح الصورة لدى القارئ الكريم، سيكون مناسبا جدا وضع مثال على ما يتم الحديث عنه هنا: بحال وجد مسكن يبلغ إجمالي قيمته المحددة من قبل البائع 1.5 مليون ريال، ويريد أحد الأفراد شراءه وامتلاكه، ويبلغ الدخل الشهري لذلك الفرد نحو عشرة آلاف ريال (دخله السنوي يبلغ 120 ألف ريال)، فبناء على ما تقدم إيضاحه في خصوص (مكرر متوسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي الدخل السنوي للفرد)، فإن المكرر في هذه الحالة سيبلغ 12.5 مرة (أو عام)، وهو ما يعني أن سعر الوحدة يعد مرتفعا جدا على المشتري أو المستهلك هنا، وعليه أن يبحث عن مسكن آخر يناسب دخله، إلا أن هذا الخيار قد يكون غير متوافر له بحال كان أغلب أسعار المساكن مرتفعة ومتضخمة. هنا يأتي دور الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، لتقوم بدورها وفق الأدوات المتاحة لديها، وتعمل على معالجة أسباب تضخم أسعار الأراضي والمساكن، ووضع التدابير اللازمة للحد منه، وقد تقوم بتقديم أنواع عديدة من الدعم السكني للمستفيدين خلال الآجال المتوسطة حتى تنتهي من معالجة أسباب التضخم الراهن في الأسعار.
ولأن كثيرا من الأفراد حتى في الدول التي قد يصل لديها ذلك المعيار إلى 3.0 مرات (أعوام)، يعتمدون بدرجة كبيرة على التمويل العقاري الممنوح من البنوك ومؤسسات التمويل المختصة في هذا المجال، فإنه تضاف إلى تلك المؤشرات الدالة على عدالة الأسعار ومناسبتها، نسبة استقطاع السداد الشهري المنتظم للالتزام المترتب على الفرد المستهلك (المشتري)، نتيجة نشوء التمويل العقاري الذي حصل عليه لأجل شراء ذلك المسكن، التي تحددت عندما لا يتجاوز 33.0 في المائة من الدخل الشهري للفرد، وهي النسبة التي تعني احتفاظ ذلك الفرد بنسبة 67.0 في المائة من دخله له ولأسرته، ليتمكن من الوفاء بمتطلباته واحتياجاته المعيشية له ولأسرته، ولا تقف أهمية هذه النسبة عند هذا الحد فحسب، بل إنها تعد ذات أهمية عالية أيضا بالنسبة للاقتصاد الكلي، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على الإنفاق الاستهلاكي للأفراد والأُسر، الذي يشكل في مجمله قوة الطلب الاستهلاكي الخاص في الاقتصاد على السلع والخدمات المنتجة أو المستوردة، التي تتولى منشآت القطاع الخاص تقديمها وإنتاجها، وأن تلك المنشآت المساهمة في النمو الاقتصادي كما يتأكد لدينا جميعا وفق هذه المنظومة، كلما ازدادت مبيعاتها وإيراداتها ازدادت قدرتها على التوظيف واستحداث الوظائف الجديدة أمام الباحثين عن عمل، وازدادت قدرتها من ثم على المساهمة في خفض معدل البطالة في ذلك الاقتصاد، إضافة إلى مساهمتها في تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصاديين.
يتأكد من كل ما تقدم استعراضه أعلاه أن السعي نحو تحقيق العدالة السعرية لمختلف الأصول العقارية سواء أراض أو منتجات عقارية (سكنية، تجارية، صناعية، خدمية)، لا تتوقف مزاياه المتحققة عند مجرد خدمة الأفراد والأسر، بل تتجاوزها إلى ما هو أبعد من كل ذلك، فتمتد بدرجة عالية إلى أهميتها المرتفعة للاقتصاد الكلي، وأن تحقق تلك العدالة السعرية للأصول العقارية، سيؤدي إلى توافر مزيد من فرص النمو والازدهار الاقتصادي، ويسهم في زيادة جاذبية بيئة الأعمال في الاقتصاد، بل يجتذب إلى جانب الثروات والأموال الوطنية مزيدا من الاستثمارات الأجنبية من خارج الحدود، ما سيزيد بدرجة كبيرة من حجم وعدد الفرص الاستثمارية الواعدة اللازم اقتناصها، وتوظيف عوائدها في مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء. لهذا سيكون مهما بالنسبة إلينا، أن تتكاتف الجهود من الأطراف ذات العلاقة بالشأن العقاري والإسكاني محليا، والعمل وفق منظومة متكاملة على خفض مكرر متوسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي الدخل السنوي للفرد، الذي ما زال يراوح عند مستوى عشر مرات (أعوام)، والعمل بخطوات أسرع على خفضه إلى المكرر المستهدف عند خمس مرات (أعوام)، وسيؤدي تحقق ذلك الهدف بدوره إلى خفض نسب الاستقطاع الشهري من المستفيدين من التمويل، وهي الأهداف الممكن تحقيقها بأسرع مما قد يظن البعض، أسوة بكثير من الأهداف التي نجحت البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030 في تحقيقها - بحمد الله - قبل مواعيدها الزمنية المحددة، ولهذا تفاصيله التي تستحق الحديث عنها بمزيد من التوسع في المقال المقبل بمشيئة الله.
إنشرها